سلام من الله عليكم إخوة الإيمان ورحمة منه وبركات.. تقبل الله منكم قيامكم المخلص بنصرته عزوجل من خلال إقامة الشعائر الحسينية والمشاركة فيها وإعلانكم بذلك لصدق الولاء لله وأوليائه والبراءة من أعدائه عزوجل.
أهلاً بكم أيها الأكارم في لقاء اليوم من هذا البرنامج الحسيني..
يوم الحسين هو يوم المهدويين؛ وهذه هي من خصائص يوم جد المهدي الموعود – عجل الله فرجه -.
لقد نصت الأحاديث الشريفة على أن شعار ثورة خاتم الأوصياء المحمديين المهدي المنتظر هو (يا لثارات الحسين)، وهذا يعني أن الأخذ بثارات الحسين هو الذي يطهر الأرض من كل ظلم وجور بعد أن تملأ بهما، وأن الأخذ بثارات الحسين هو مقدمة ملأ الأرض قسطاً وعدلاً.
من هنا نفهم – أيها الأفاضل – أن الأخذ بثارات الحسين لا ينحصر بالقصاص من قتلته المباشرين وهؤلاء قد عاقبهم الله على يد المختار رحمه الله وغيره، كما أن الأخذ بثارات الحسين لا ينحصر على القصاص من سائر الظالمين الراضين بأفعال قتلة الحسين وصحبه وسباة عيالاته المكرمة، والسائرين على نهج اولئك الظلمة في ظلم العباد.. بل إن الأخذ بثارات الحسين يشمل القضاء على جذور الظلم والجور داخلياً وخارجياً والتطهر من كل أشكال الظلم التي سببت جرائم يوم عاشوراء وتطهير الأرض منها..
من هنا كان يوم الحسين يوم المهديين لأنهم ينير لهم طريق الإصلاح الذاتي والإجتماعي بهذا المفهوم الواسع وبذلك يتأهلون لنصره سليل الحسين والآخذ بثاراته المهدي الموعود الذي يملأ به وبأنصاره الحسيني الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت على أيدي اليزيديين ظلماً وجوراً.
وبهذا الفهم نفهم مستمعينا الأفاضل دعوات الآخذ بثارات الحسين عليه السلام والتشوق لظهور سليله المهدي المنتظر – عجل الله فرجه – وهي دعوات شكلت محوراً أساسياً في العديد من المراثي الحسينية التي خلدها ديوان الشعر الولائي.
تحت عنوان حلم الثأر المحتوم كتب الأديب الولائي الأستاذ إبراهيم رفاعة يقول:
(عاشورائية ضاجة بعميق الحزن ومتوقد الغيظ بكانية ثأرية من بكائيات الشاعر المتوهج إيماناً، والمشرب قلبه – صافياً – من أنوار يوم الحسين.. إنه عبد الحسين شكر النجفي من شعراء الوجدان المتيقظ في القرن الهجري الثالث عشر، قصيدته اللامية هذه نبدأ رخية بهيجة يزخها النور والمطر، وتربة الطف الكربلائية الحبيبة هذه قلعة للعذوبة والجمال، أرض هي فخر الفخر في العالم وشموخ الشموخ، لأنها أرض السيد الأغر، صاحب ملحمة العشق، خامس الخمسة الإلهيين.. الشهيد الفريد الغريب أبي عبدالله مولانا الحسين.
في هذه الأرض.. كان ما كان يوم عاشوراء الليالي العشر، ومنذ فجرها بدء عروج الوصال الذي ما مثله عروج ولا يحاكيه وصال، الحسين الذي ارتقى في معراجه على براق من نور الدم الأحمر.. هو من قتل ذبيحاً مقطعاً مصبوغاً بلون الأرجوان.. وحوله من الضحايا: الأشراف من أهل بيته وأنصاره الأحرار الأوفياء، في ملحمة شم الزمن نفحة من عطرها، فتولد منه "الخلود" الذي انفلت من قبضة الزمان!
هم الشاعر في هذه القصيدة التلميح الى فروسية فرسان الملحمة الحسينية من أهل البيت، أكثر مما يومي الى جنايات آل أبي سفيان من أبناء الطلقاء الحاقدين، هي ذي إذن تربة كربلاء التي التي يخاطبها أولاً، ثم لا يستطيع إلا أن يذكر القوم الذين "غضب الله عليهم" بقتلهم سيد شباب أهل الجنة ريحانة سيد المرسلين:
إنما أنت مطلع لهلال
من سنا ضوئه استمد الهلال
مهبط الوحي.. عنده في هبوط
وعروج: جبريلها.. ميكال
إنما أنت مجمع الرسل، لكن
لهم عنك بالأسى أشغال
فيك قد حل سيد الرسل طاها
وعلي وفاطم والآل
وسرايا بني نزار.. ولكن
فيك جذت يمينها والشمال
هذه الأرض التي طابت وتقدست.. هي الأرض انتهك حرماتها وحرمات من حل فيها آل أمية الأفاكون السفاكون:
يوم في عشر الضلال أمي
عثرت أي عثرة لا تقال!
واستفزت لحرب آل علي
عصباً قادها العمى والضلال
وعليهم قد حرمت – يا لقومي -
ورد ماء الفرات وهو الحلال
الوصف الملحمي لفرسان آل محمد الكماة الأباة الشجعان.. يملأ المشهد حزماً وعزماً ورجولة وبكولة، هم على الأرض هولها المرعب، وتتطاول قامات عنفوانهم لتلامس النجوم:
فاستثارت لنصرة الدين أسد
ترجف الأرض منهم والجبال
وأقاموا مضارباً مست النجــ
م علواً، لكنها قسطا
والقسطال هو الغبار الذي هاجته صولاتهم الى عنان السماء.. يتابع الأديب شكر النجفي منشداً:
طعنوا بالقنا الخفاف، فعادت
وهي – من حملها القلوب – ثقال
صافحتهم أيدي الصفاح المواضي
ودعاهم داعي القضا فانثالوا
هذا كله.. قبل أن يبرز للقتال وحيداً وريث أبيه المرتضى أسد الله الحسين:
فانثنى ليث أجمة المجد فرداً
ناصراه: الهندي والعسال
فسطا شاحذاً من البأس عضباً
كتبت في فرنده الآجال!
فرأت منه آل سفيان يوماً
فيه – للحشر – تضرب الأمثال
وأبيه، لو لا القضا والمقاديــ
ر.. محتهم قبل اليميم الشمال
ثم هوى على الأرض – في آخر الأمر – الطود الشامخ الأشم، وتبادرت وضاعة القوم الذين غضب الله عليهم يستعرضون بطولاتهم الزائفة الراجفة أمام نسوة آل محمد المفجوعات المروعات، ويضربون بسياط الحقد وجوه اليتامى المذعورين الصغار واليتيمات الفزعات، هذا مشهد يستثير في القلب رحمة من لا رحمة له، ويوغر بالغيظ والغضب أفئدة ولو كانت مجبولة من حجر!
الشاعر عبدالحسين شكر.. يستحضر المشهد، ويعيش مصائبه، فتضطرم في داخله لوعة طاغية لابد – ليحتمل عبءها – أن يجد لها ما ينفس عنه، إنه يتوجه الآن ليرسل رسولاً الى المدينة الطيبة.. حيث يرقد الجد الأعظم والصفوة الموسدون الثرى من آل عبد المطلب.. يستصرخ ويستغيث:
ناد ما بينها: بني الموت هبوا
قد تناهبنكم حداد صقال
تلك أشياخكم.. على الأرض صرعى
لم يبل الشفاة منها الزلال
غسلتها دماؤها، قلبتها
أرجل الخيل، كفنتها الرمال!
أما إذا أراد أن يبلغ في رسالته هذه حديث الأسر والسبي.. فهو حديث كله إثارة نخوة واستنهاض وتحشيم:
ونساء عودتموها المقاصيـ
ر.. ركبن النياق وهي هزال
هذه زينب – ومن قبل كانت
بفنا دارها تحط الرحال
أمست اليوم واليتامى.. عليها
- يا لقومي! – تصدق الأنذال!
هذه الشكوى المتظلمة وهذا الإستنجاد برجال الهاشميين – ولو كانوا في مدافنهم – مما يخفف على الشاعر أوجاع قلبه، ويضع عنه بعض آلام المصائب والمعاناة، بيد أنه يظل يحلم، يحلم حلم الثأر الذي لابد أن يحين موعده ويجيء، الثأر ثأر الله الذي ما منه محيص، وهو جل جلاله الثائر لحبيبته فاطمة الزهراء البتول بدم أولادها المظلومين الشهداء.
هو ذا الشاعر يهدد آل أبي سفيان وينذرهم يوم الإنتقام الذي يوعدون، يدعو عليهم أولاً بخراب بيوتهم ويباب ربوعهم.. ثم يأخذ بعتاب عنيف، لينتهي الى يوم التلاقي القادم، ولو في الزمن الأخير:
آل سفيان لا سقى لك ربعاً
مغدق الودق والحيا الهطال
أي جرم لآل أحمد حتى
قطعت من أبنائه الأوصال؟!
فالحذار الحذار من وثبة الأسـ
د؛ فلليث في الشرى أشبال!
إنما يعجل الذي يختشي الفو
ت، ومن لم يكن إليه المآل
نشكركم أيها الأكارم على كرم الإستماع لحلقة اليوم من برنامج يوم الحسين قدمناها لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، دمتم في أمان الله.