سلام من الله عليكم أيها الإخوة والأخوات ورحمة منه وبركات..
أهلاً بكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج..
أيها الأفاضل.. الدعوة لنصرة الحق المظلوم هي الصرخة التي يجهر بها في كل حين يوم الحسين عليه السلام ويسمعها الأجيال في كل زمان، لتستثير الهمم في اليوم المعلوم كما نشهد ذلك في هتافات شعراء الحسين عليهم السلام ومنهم الشاعر الذي كتب عند أستاذنا الحاج إبراهيم رفاعة.
تحت عنوان الظلم.. الذي يوغر الصدور يقول الحاج رفاعة:
إنه كمن يصرخ ويستغيث محاصراً في وسط حريق هائل! بأعلى صوت يصرخ، وبأقوى استغاثة يستغيث!
ومع هذا كله.. ما بلغ عبد الحسين شكر النجفي من الصراخ والإستغاثة ما يناسب ولو جزء من مذبحة كربلاء. لو كل حناجر البشر تركزت في حنجرة واحدة، وكل صراخ الدنيا صار صراخها.. فإنها تظل قليلة ضئيلة إزاء المقتلة التي لا توصف فظائعها في يوم عاشوراء.
تفاصيل المجزرة لا يحتملها حتى خيال المتخيلين، وضحايا المذبحة من أهل من أهل بيت الحسين - الذين قال عنهم مولانا الرضا سلام الله عليه – ما لهم على وجه الأرض من شبيه، أما عميد آل محمد وسيد الأسرة الطاهرة فهو سيد شباب أهل الجنة المستنقذ لأمة جده النبي من الضلال الذي استيقظ محموماً بعد جده النبي، إنه "حسين الله".. خواض ملحمة العشق الإلهي الدامية الحمراء، الذي فعلت بجسده الشريف سيوف بني أمية الأفاعيل.
وبعد قتله.. تقاد نساء أهل البيت الثكالى والأطفال اليتامى سبايا يساقون أعنف سوق، ويشتمون أقذع شتم، وفيهم عقيلة آل أبي طالب ناموس رسول الله: الصديقة زينب بنت فاطمة الزهراء الزكية البتول.
من ذا يرى ما جرى ولا يلقي بنفسه بين شفرات السيوف؛ انتصاراً لآل محمد المظلومين المضطهدين؟! ومن ذا إذا فاتته النصرة أن لا تزهق نفسه كمداً ولوعة وحسرات؟!
الحق مع عبد الحسين شكر إذ يصرخ ويستصرخ ويستنجد ويستغيث، ما حضر شكر مذبحة آل الله الأبرار في كربلاء، فبينه وبين الحادثة الأليمة الدامية – من حاجز الزمان – فاصل طويل، لكنه حضرها في القرن الثالث عشر الهجري بقلبه.. أو هكذا يخيل في بادئ الأمر.
والواقع أنه استحضر إيمان قلبه لمحات مما وقع.. فتفجر في داخله غضب موتور، وبلغت حميته النبيلة أقصى ما لها من حدود.
لكن.. من يستنصر هذا الشاعر المستنير القلب، ومن يناشد للثأر، ومن يدعوه الى النفير أعجل ما يكون النفير؟ إنها فاجعة التوحيد التي ليس لها إلا أهل التوحيد من آل محمد الهاشميين الأصفياء، قال الحسيني الأديب عبد الحسين شكر:
البدار البدار آل نزار
قد فنيتم ما بين بيض الشفار
قوموا السمر، كسروا كل غمد
نقبوا بالقتام وجه النهار
سوموا الخيل، أطلقوها عرباً
واتركوها تشق بيد القفار
طرزوا البيض من دماء الأعادي
فلقوا الهام بالضبا البتار
وابعثوها ضوابحاً، فأمي
وسمت أنف مجدكم بالصغار
سلبتكم بالرغم أي نفوس
ألبستكم ذلاً مدى الأعمار
يوم جذت بالطف كل يمين
من بني غالب وكل يسار
إنه إذن جيش الإنتقام الذي يستحثه الشاعر الى النفير الفوري، ليأثر من القتلة الجناة السفاكين، قوم الحسين المحمديون هم الذين يحرضهم بهذا النداء، لأنهم المعنيون بالثأر، وهم من عليهم المبادرة الى تهيئة رماحهم وتحطيم أغماد السيوف؛ فإن الحرب لا رجعة عنها، وخيولهم الأصيلة لابد أن تنطلق مسرعة مخلفة وراءها غباراً يغطي وجه الأرض، ولابد لصهيلها أن يملأ الآفاق. أفي بني هاشم العلويين الأباة من يحتمل هذا الضيم والهوان الذي ألحقه بهم في طف كربلاء آل أبي سفيان؟!
وقعت المذبحة العظمى، وأبيحت لله أجل الحرمات، لكن.. بيد من ذبح من ذبح وأبيح ما أبيح؟ بيد أراذل الخلق من علوج الشجرة الخبيثة الملعونة في القرآن المتسلقين منبر رسول الله من بعده تسلق القرود! أخت عمرو بن عبد ود – لما صرع أخوها الفارس المغوار يوم الخندق بسيف علي – ما هدأ لها بال من شدة حبها لأخيها وفرط افتخارها به، لكنها لما علمت أنه قتل – وهو العدو المشرك المحارب – بيد علي بن أبي طالب.. هدأت واطمأنت، وقالت: كفء كريم.
أما هؤلاء الأوباش الأرذال من آل أبي سفيان فما في أحدهم ذرة كرامة، ولا عرفوا يوماً طعماً لرجولة أو شهامة، المآسي يركب بعضها بعضاً، والظلمات القاسية الألمية ما لها من انتهاء.
من كانت له كرامة إيمان وكرامة وجدان.. فاليوم يومها الكبير، ومن له عزة ونجدة وإباء فلمن يدخر هذه الأسلحة المعنوية التي لابد أن تنطلق كالسهم للثأر، وإن لم يفعل فإن أسلحته هذه الفعالة تتعفن في داخله وتتفسخ وتموت.. كطعام لم يؤكل في حينه: يفسد إن مر عليه زمان!
الشاعر يتلوى في عمق كينونته ولا يقر له قرار، ما يزال صوته ينادي قوم الحسين – بأعلى نبرة – ليبادروا الى الإنتقام، وإلا فلا حياة لهم يحيونها ولا يطيب لأحد منهم مقام، عليهم – قبل أن يدركوا لهم أعظم ثأر – أن يكفوا عن كل ما ألفوه في حياتهم اليومية، وأن يصوموا صوماً شاملاً عن كل شيء: قال الأديب النجفي:
لا تلد هاشمية علوياً
إن تركتم أمية بقرار
طأطئوا الرؤوس، إن رأس حسين
رفعوه على القنا الخطار
لا تذوقوا المعين، واقضوا ظمايا
بعد ظام قضى بحد الغرار
لا تمدوا لكم عن الشمس ظلاً
إن في الشمس مهجة المختار
حق أن لا تكفنوا هاشمياً
بعد ما كفن الحسين الذاري
لا تشقوا لآل فهر قبوراً
فابن طه ملقىً بلا إقبار
أما عقيلة الطالبيين وشرف آل محمد زينب بنت أمير المؤمنين علي.. فحكايتها – في مصائب كربلاء – أشد تجريحاً وأنكى إيلاماً لأهل الإيمان ولأصحاب الوجدان. هذه البضعة المحمدية الطاهرة الزكية.. إنها هي المحمولة الآن قسراً – بين الأجلاف الأرذال من أشباه الرجال – لتقاد بارزة لعيون الفضوليين وعيون الشامتين – أعماها الله من عيون! يا لله.. ويا لزينب!
ناموس محمد.. وأبرزوه جهاراً على ظهور النياق يطاف به في الشوارع والأسواق! ماذا يظل للناس إذن من شرف ليحفظوه، وماذا يظل من صون في العالم وستر وحجاب؟! لقد سقط الحجاب كله يوم أسروا شقيقة روح الحسين وساروا بها في المدن والقصبات:
هتكوا عن نسائكم كل خدر
هذه زينب على الأكوار!
أين من أهلها بنو شيبة الحمـ
د.. ليوث الوغى حماة الذمار؟!
فليسدوا رحب الفضا بالعوادي
وليهبوا طراً لأخذ الثار
مستمعينا الأكارم، ويستمر الشاعر الحسيني الغيور الحاج عبد الحسين شكر النجفي وكما سيحدثنا الأستاذ إبراهيم رفاعة في حلقة مقبلة بدعواته لنصرة الحق الذي دعا له الحسين وانتصر له سيد الشهداء – صلوات الله عليه – بكل أسرته ووجوده في يوم عاشوراء، لكي تكون هذه النصرة الحسينية مناراً لكل حسيني يطلب بصدق أن يكون من الأنصار المخلصين في مؤازرة المهدي الموعود الطالب بثأر الحسين وآل الحسين وكل المظلومين على مدى التأريخ؛ جعلنا الله وإياكم من أنصاره في غيبته وظهوره – عجل الله فرجه -.
ختاماً تقبلوا منا أيها الأكارم جزيل الشكر على متابعتكم الطيبة لحلقة اليوم من برنامجكم يوم الحسين قدمناها لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.