السلام عليكم مستمعينا الأكارم ورحمة الله وبركاته.. تقبل الله حسن تقربكم إليه عزوجل بتعظيم الشعائر الحسينية وهي أعظم القربات إليه تبارك وتعالى.
أيها الأفاضل.. البراءة من فعال القتلة اليزيديين ومن يحمل إرثهم البغيض من ذيولهم المعاصرين، لا تنحصر بالمحمديين بل تشمل كل ذي وجدان إنساني مهما كان دينه لأنها فعال يأباها كل وجدان كما أن الولاء لمواقف الحسين وآل الحسين وقيم الحق والشهادة التي يهفو لها ممجداً كل ذي وجدان إنساني.. هو ولاء لا ينحصر بالمحمديين بل يشمل كل ذي وجدان إنساني.. وهذه من الخصوصيات البارزة في يوم الحسين.
ومن شواهد ذلك المقالة الحسينية التي إخترناها لهذا اللقاء وهي من النماذج المؤثرة وإن كانت نظائرها ليست بالقليلة في كتابات مفكري غير المسلمين عن يوم الحسين..
تابعونا على بركة الله ..
مستمعينا الأفاضل..
تحت عنوان بكائية رأس الحسين كتب الأديب المسيحي جوزيف حرب يقول:
كربلاء.. يا مساحة المرارة، وموشحة الحزن، وشبابة الفرات التي بحت وما شربت، وحارسة المصابيح التي اشتعلت بزيت مساريج الجنة: رققي من حواشي الريح، واملئي الأباريق، ومدي الوسادة الزينبية، فلقد أقبل الليل، ورجعت كوفة الزمن القديم.
هبيني – كربلاء – أرح رأس الحسين على يدي، أنا لست من أنزل الحسين في العراء من غير ماء وغير حصن، ولست من شك سيفه بين منكب الحسين وعنقه، ولست يا كربلاء من قطع الكتف اليسرى، أنا لست الأبرص بن ذي الجوشن أحز بالسيف في عنق الحسين، ولست من أوطأ الجياد عظام صدره، ولست عبيدالله بن زياد أضرب ثناياه بعصاه في مسالك الكوفة.
ولست يزيد بن معاوية أنكث بقضيب العرش في شفتي الحسين اللتين قبلتهما شفتا الرسول الكريم حتى ارتوتا من عبير ريحانة الجنة.
هبيني – كربلاء – أرح رأس الحسين على يدي..
هبيني سراويله اليمانية التي مزقها كي لا يقتسمها من بعده القتلة.
ويالعطش عبدالله الرضيع.. وقد مرى الهجير عرقه وهدلت رباعية أطرافه.. ورنقت عيناه ودير به مغشياً عليه، فرفعه الحسين بين يديه وخاطب الواقفين دون ماء الفرات: يا أهل الفرات، يا أهل الكوفة.. خافوا الله واسقوا هذا الطفل.. إذا كنت أنا في اعتباركم إستوجب الموت، فما ذنب هذا الطفل الصغير؟! يا قوم، خافوا الله واذكروا عذاب يوم أليم.
أراك لا تنسين – يا كربلاء – كيف صاح به أحد الجند: خذ.. أسقيه! وأوتر القوس ورمى الطفل بسهم اختلجت عليه أحشاؤه!
فهبيني – كربلاء – أرح رأس طفل الحسين على يدي.
هبيني ذؤابتيه المرسلتين، وخلاخيل قدميه، ومشملته، وقميصه المشقوق، والعقد، والبكاء الذي ما ترسل من بين أجفانه، مخافة أن يتملح فمه إذا لامست قطرات دمعه شفتيه.
ويتابع الأديب المسيحي جوزيف حرب مقالته الحسينية، فبعد براءته المؤثرة من فعال قتلة الحسين ورضيعه وسائر شهداء كربلاء عليهم السلام ينتقل لإعلان ولائه للحسين وقيم الحسين المفعمة بكل جمال وكرامة وكمال فيقول:
عندما يحمل الرجال رؤوسهم هم العالم، ويصفو دمهم زيتاً للحقيقة، وتتوثب في سواعدهم جياد المعارك العلوية.. يمر في خاطري الحسين بن علي: مقدساً في رسالة، جنة في جسد، سدرة في منتهى، شهيد عقيدة باعها لربه واشتراها بدنياه.. وكانت نسبة أن تعيش هي غداً [أي العقيدة] من نسبة أن يموت هو اليوم .. إنه الومض المقدس..
لو دخلت عاشوراء يد القضاء لما اختل ميزان قاض ولو هبت [عاشوراء] على خفق راية لما أذل وطن ولو لامست وسادة حاكم لمنعته من صلف النعاس، ولو استوت على سرير خلافة لما عرف التاريخ قراصنة الأرض ولصوص الأمم وشذاذ آفاق الممالك والمشعبذة والطغاة والسحرة.
مستمعينا الأفاضل؛ ونتابع ما كتبه الأديب المسيحي جوزيف حرب فنجده يستنير بأنوار الرؤوس الحسينية التي لم تطأطأ ذلة ورفعت على الرماح عزيزة لتكون منارات الكرامة الإنسانية الباسلة، قال:
ثلاثة وسبعون رأساً.. ورأس الحسين طليعتها: منارة خلفها منائر.. دخلت البلاط اليزيدي على سن ثلاثة وسبعين رمحاً؛ فهل لشمس أن تشرق، ولفرات يعد أن ينساب، ولريح بعد أن تهب، ولطائر بعد أن يسحب جناحيه، ولنبت بعد أن يمرع، ولقضاء بعد أن يعدل، ولحكم بعد أن يستوي، ولدين بعد أن يشيع، ولسلام بعد أن يسود.. إلا ومعه قضية ثلاثة وسبعين رأساً قضت أن لا يلاحم من صدوع الباطل، ويصدع من ثبات الحق؟!
إن مسيحيتي أيها السادة.. لن تكتمل ناقصاً منها الحسين، وإن أي دين – سماوياً كان أو غير سماوي – لا يتضمن مرتبة حسينية إنما هو دين كثير الأرض قليل الجنة، وإن أي حق لابد من أن يضيع إن لم تكن وسيلته حسينية؛ فإما الحق، وإما الشهادة!
ولندع صفين، ولندع التحكيم، ولندع الفتنة.. ولندع خوف يزيد من العراق في يد الحسين، فإن في عمق ذهاب الحسين الى العراق ليس ما دار في رأس يزيد فقط، وإن في عمق أن الحسين ما رجع عن العراق ليس سيفاً للحسين سل وما غمد فقط!
هناك صوت ما، صوت من أعماق السماء.. نادى إليه الحسين، فسار إليه، من هنا كانت عاشوراء فصلاً من فصول ذهاب الحسين الى الجنة لا الى العراق.
وينطلق الأديب المسيحي اللبناني الأستاذ جوزيف حرب من الإستنارة بالمنار الى تمجيد قيم الحق والشهادة التي تجلت في سائر أعلام يوم الحسين عليه السلام وحملة قيمه من السبايا المحمديين يقول هذا الأديب:
إن النبي الكريم إذ روت شفتيه – وهو على الأرض – شفتا الحسين من ريحانة الجنة، فإن شفتي الحسين – وهو في الجنة – ترويان شفتي النبي من رائحة الشهادة والحق.
ولعل رائحة الريحان في الجنة توزن برائحة الحق والشهادة.
وأما الإمام المكرم وجهه – أعني علياً أبا الحسين .. فلم يكن فرحه والحسين طفل في حضنه بأعظم من فرحه وليس في حضنه من الحسين إلا رأس الحسين، إذ انتقل الحسين من الطفولة البريئة في المشهد الأول الى الومض في المشهد الثاني: الحق والشهادة.
كربلاء.. يا مساحة المرارة، وموشحة حزن، وشبابة الفرات التي بحت وما شربت، وحارسة المصابيح التي اشتعلت بزيت مسارج الجنة: خذي الدفء من وجه رياب، والحنان من فؤاد سكينة، ومن فاطمة الذراع العف، ومن زينب رقة الأخت.. ورققي حواشي الريح، واملأي الأباريق، ولكن.. لا تمدي الوسادة الزينبية، وإنما هبيني – مرة واحدة – أريح رأس الحسين على يدي.
بإنتهاء هذه البكائية الحسينية المؤثرة للأديب المسيحي جوزيف حرب ننهي أيها الأكارم حلقة اليوم من برنامج يوم الحسين قدمناها لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، تقبل الله منكم جميل الإصغاء ودمتم في أمان الله.