السلام عليكم مستمعينا الأكارم ورحمة الله وبركاته..
أهلاً بكم في أولى حلقات هذا البرنامج الذي نسعى فيه لإستجلاء القيم الإلهية التي حفظها القيام الحسيني المقدس.
وسيدة هذه القيم – أيها الأكارم – إحياء نهج التوحيد الخالص وحفظ الإسلام المحمدي النقي، وهو مما جلاه هذا القيام التضحوي القدسي، يحدثنا عنه الأستاذ الحاج إبراهيم رفاعة فيقول تحت عنوان:
البكاء الغاضب
في شعر لسكينة بنت الحسين
عاشوراء يوم قيامة التوحيد، يوم تفتح توحيد الله في أدق معانيه وأروع ما فيه من حقائق، إنه اليوم الذي صنعه الحسين ريحانة رسول الله وسيد شباب أهل الجنة أجمعين.
سبط رسول الله ونجل علي وحبيبه وابن فاطمة البتول وفلذة كبدها.. هو من تحمل مختاراً هذه المهمة العظمى في الإنتفاض على جاهلية بني أمية القديمة المتجددة في دنيا الإسلام.
ها هم أولاء بنو أمية يصادرون من الناس نورانية القرآن، ويدفنون أثر جهود النبي الراحل في الهداية والتبصير، ويتعقبون آل بيت محمد – ص- محاصرة وتجويعاً وأبشع تنكيل.
بنو أمية لبسوا عباءة الإسلام، لا مناص لهم من لبس عباءة الإسلام، لكنهم لبسوا لبس الفروة بالمقلوب!
رهيبة كانت جهودهم لقلب الإسلام، اصطنعوا – فيما اصطنعوا – جهازاً ضخماً من الرواة وصناع الحديث، يدسون في حديث النبي وأخبار الناس ما يبسط لهم التحكم في الرقاب، ويدفع الى الظل المعتم من يناوئهم ومن يناوئون.
من ذا قادر على أن يوقف المؤامرة؟! كبيرة هي المؤامرة في تيارها الجارف كالسيل، حتى من بقي من معاصري النبي – وهم يرون ما يحدث – كانوا عاجزين، مالك بن أنس قعد في بيته مستسلماً للبكاء على دين النبي الذي لم يبق منه بنو أمية حتى الصلاة التي قال عنها إنها قد ضيعت وبدلت وما بقي من قدسيتها الإلهية شيء!
ومن بين جيل أبناء أصحاب النبي.. كان صوت عبدالله بن الزبير صوتاً عالياً فيهم، وابن الزبير كان يريدها لنفسه، فرصة له أن يتحرك ويستأثر بسلطة يرى أنه أولى بها من آل أبي سفيان.
وحده الحسين من يحمل قرآن الحق، ومن يتألق به نور جده النبي.
إن كان ثمة إسلام صدق فهو إسلام الحسين، إن كان ثمة إيمان حق فهو الذي ينضح من قامه الحسين هو اليقين مجسداً وهو لب حقيقة التوحيد.
وحده أبوعبدالله من بادر وتحرك، واختار طريق إنقاذ مزروعاً أشواكاً ونصال سيوف وأسنة رماح، ودماء طاهرة تصبغ حتى أفق السماء.
سينطق في كربلاء بصوت الله، قال عن يزيد بن معاوية: "ومثلي لا يبايع مثله" وقال:
"ألا ترون الى الحق لا يعمل به، والى الباطل لا يتناهى عنه؟! ليرغب المؤمن في لقاء محقاً؛ فإني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برماً".
وقال صلوات الله عليه للناس الكثير.. يجرؤهم على اقتحام عقبة الخوف، ويهديهم الى الإقدام على ساحة الجهاد والموت بصدور مفتوحة ونفوس أبية راضية باختيارها شرف المصير.
من أجل حبه الفريد لله ربه.. آثر لنفسه القتل، وآثر لأهل بيته الثكل والترمل واليتم.. في مأساة أسر وسبي يسير ركبها الى الشام؛ كل لحظة من كروبها تبكي حتى مجارة الطريق.
بركان أبدي هو ما فجره في قيامة كربلاء أبوعبدالله الشهيد المظلوم.
بركان نور متدفق لا يتوقف، أرأيت المنار يصير بركاناً يملأ كل العالم بدفء محبب وضياء دائم حميم؟!
أما نيران حممه الغزيرة.. فهي المتساقطة من بني أمية وأشياعهم طول التاريخ على هاماتهم الجاهلية المجبولة من طينة خبال.
هو الحسين.. سيد الأحرار من أباة الذل في كل أزمنة العالم وفي البقاع.
وهو الحسين – قبل ذلك وبعد ذلك – سيد العشق الإلهي الكبير.
وقعت الواقعة العاشورائية الدامية في كربلاء.. ووقعت للناس صحوة ما لهم بمثلها من عهد: صحا من كان غافياً، وتنبه من كان لاهياً، وندم من كان متراخياً، وبكى من كان محباً لحبيب الله الحسين. أما الذين انعقدت جذورهم على بغض آل محمد وغطستهم أهواء الدنيا في أحوال الرجس.. فزادهم نور كربلاء الحسين ظلمة الى ظلمتهم، وارتكاساً الى ارتكاسهم.. تماماً كما القرآن: يزيد الذين آمنوا إيماناً، ويزيد الكافرين عمى وضلال طريق.
ومنذ اللحظة الأولى آل الله في كربلاء.. انطلقت قلوب الناس – مسلمين وغير مسلمين – تناغي أباعبدالله بأسىً حزين، وتمجد صنيعه الفذ الذي لا يجرؤ أحد على أن يصنع مثله، وعبرت عن نور الحسين في صدورها – أجلى ما عبرت – بصوت الشعر.. الذي ما يزال ينبض من كل صوب على طول التاريخ.
وكان من أوائل من نطقت المأساة على لسانه شعراً: إحدى بنات الحسين، حضرت واقعة كربلاء، وشهدت من محنها ومصائبها في قتل الأحبة التفاصيل، كما شهدت مكابدة الضر والبلوى الواقعة على نساء آل محمد وصغارهم في رحلة الأسر المضنية الطويلة الى الشام.
إنها سكينة الحسين التي وصفها أبوها – وطالما أحبها حباً فوق التصور – بأنها "الغالب عليها الإستغراق مع الله" ونعم المستغرقة مع الله، ونعم المستغرق معه هذا الإستغراق.
المدينة الحزينة التي آبت إليها البقية الباقية من أسرة رسول الله.. يجللها حزن التفجع العميق.
زينة عباد الله السجاد علي بن الحسين، والصديقة الطاهرة زينب بنت علي أمير المؤمنين، وسائر آل محمد الهاشميين.. عادوا الى مدينة جدهم مخذولين منكوبين لا تجف لهم دموع. وفيهم: حبيبه قلب أبيها الحسين: سكينة الشابة اليافعة.. الغالب عليها الإستغراق مع الله.
فما الذي فعلته هذه السيدة المحمدية المتألهة لحفظ ذكر يوم الحسين؟ هذا ما سنتعرف إليه في اللقاء المقبل من خلال وقفة عند الأبيات التي أنشأتها عليها السلام في رثاء سيد الشهداء صلوات الله عليه وهي الأبيات التي إستطاعت أن تخرق حجب التعتيم التي فرضتها سلطات الطغيان الأموي على ما قامت به سبايا آل الرسول نكتفي هنا وكمسك ختام بقراءة هذه الأبيات وهي:
لا تعذليه فهم قاطع طرقه
فعينه بدموع ذرف غدقة
إن الحسين غداة الطف يرشقه
ريب المنون فما أن يخطئ الحدقة
بكف شر عباد الله كلهم
نسل البغايا وجيش المرق الفسقة
يا اُمة السوء هاتوا ما احتجاجكم
غداً وجلكم بالسيف قد صفقة
الويل حل بكم إلا بمن لحقه
صيرتموه لأرماح العدا درقة
يا عين فاحتفلي طول الحياة دماً
لا تبكِ ولداً ولا أهلاً ولا رفقة
لكن على ابن رسول الله فاسكبي
قيحاً ودمعا وفي أثريهما العلقة
نشكركم إخوة الإيمان على طيب الإستماع لحلقة اليوم من برنامج يوم الحسين قدمناها لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، شكراً لكم وفي أمان الله.