ما تناهت عوالم العلم إلا
وإلى ذات أحمد منتهاها
لست أنسى له منازل قدس
قد بناها التقى فأعلى بناها
ورجالا أعزة في بيوت
أذن الله أن يعز حماها
سادة لاتريد إلا رضى الله
كما لايريد إلا رضاها
خصها من كماله بالمعالي
و بأعلى أسمائه سماها
لم يكونوا للعرش إلا كنوزا
خافيات.. سبحان من أبداها
كم لهم ألسن عن الله تنبي
هي أقلام حكمة قد براها
إخوتنا أعزة المؤمنين.. في كتابه الحكيم، قال الله تبارك وتعالى مخاطبا رسوله الأكرم صلى الله وآله وسلم: "وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ " (سورة الأنبياء۷). صدق الله العلي العظيم. تعددت معاني الذكر– أيها الإخوة الأفاضل– عند المفسرين، فقيل: هو ذكر الله تبارك وتعالى باللسان والقلب،
وقيل: الذكر هو العلم والإخبار بالمغيبات: مما مضى من سير الأمم والأنبياء وكتبهم، وقيل: الذكر هو الحفظ وعدم السهو أو النسيان، وذلك هو العلم المنبئ. وقد روي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام قوله: "نحن أهل الذكر، ويشهد لذلك أن الله تعالى سمى نبيه ذكرا بقوله " أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً* رَّسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ"(سورة الطلاق ۹و۱۰).
أجل، فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله هو الذكر، فأهل الذكر إذن، أيها الإخوة، هم أهل النبي أهل البيت عليهم السلام، والآية إذن، أيها الأعزة، تأمرنا بالرجوع إلى أهل البيت النبوي في سؤالاتنا وحيرتنا، وفي معرفة شؤون ديننا، والتبصر في السبيل المؤدي إلى مرضاة ربنا، جل وعلا.. ومن أهل البيت النبوي الطاهر: أبو عبد الله، سبط رسول الله، ووصيه ووريثه في العلم والهداية.
جاء عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام قوله: (إن علم علي بن أبي طالب عليه السلام من علم رسول الله صلى الله عليه وآله، فعلمناه نحن فيما علمناه)، وقوله سلام الله عليه:( إنا أهل بيت عندنا معاقل العلم، وآثار النبوة، وعلم الكتاب، وفصل ما بين الناس).
وبذلك يكون الأئمة الأطهار، ومنهم سيد الشهداء، هم الهداة وولاة أمر الله، وخلفاء رسول الله؛ إذ هم أهل الذكر بصريح عبارة النبي صلى الله عليه وآله حيث قال:
(الذكر أنا، والأئمة أهل الذكر)، وهم أولى أن يسألوا؛ لقول الإمام الصادق عليه السلام في ظل الآية المباركة: «فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ»(الأنبياء۷)، (الذكر محمد صلى الله عليه وآله، ونحن أهله المسؤولون).
أقبل نافع بن أزرق – وهو من رؤساء الخوارج – يسأل الإمام الحسين عليه السلام: صف لي إلهك الذي تعبد؟ فأجابه أبوعبد الله: (يا نافع، إن من وضع دينه على القياس، لم يزل الدهر في الإرتماس، مائلا عن المنهاج، ظاعنا في الإعوجاج، ضالا عن السبيل، قائلا غير الجميل. يابن الأزرق، أصف إلهي بما وصف به نفسه، وأعرفه بما عرف به نفسه، لايدرك بالحواس، ولايقاس بالناس، قريب غير ملتصق، وبعيد غير منتقص، يوحد ولايبعض، معروف بالآيات، موصوف بالعلامات، لا إله إلا هو الكبير المتعال)،
سمع ابن الأزرق هذه الكلمات التوحيدية من فم الحسين صلوات الله عليه، فأخذته حالة من البكاء، ولنقل حالة من الهداية، ثم رفع رأسه وقال للحسين معجبا: ما أحسن كلامك يا أبا عبد الله!
وأقبل ملك الروم يسأل، فانخذل أمامه معاوية وبلاطه وكان يومها قد استحوذ على حكم المسلمين فكان للحسين سلام الله عليه أجوبته على ما طرحه..
حيث سأل عن المجرة، وعن سبعة أشياء لم تخلق في رحم، فأخبره الإمام الحسين أولا أن ملك الروم إنما يسأل عن أشياء ما هي من منتهى العلم إلا كالقذى في عرض البحر، وثانيا أجابه جوابا محكما جعله يتشوق إلى معرفة المزيد، فسأل عن أرزاق العباد أين، وعن أرواح المؤمنين أين تجتمع؟
فأجابه أبو عبد الله سلام الله عليه، وكانت أجوبته تفهيما لحقائق، ودعوة لهداية تيسرت لمن كان ذا حظ عظيم فأذعن ملك الروم لها وتعجب أن يحكم المسلمين غير الحسين وفيهم الحسين عليه السلام.
وعن أبي سلمة قال: حججت مع عمر الخطاب، فلما صرنا بالأبطح، فإذا أعرابي أقبل يسأله: إني خرجت وأنا حاج محرم، فأصبت بيض النعام، فاجتنيت وشويت وأكلت، فما يجب علي؟ فاعتذر إليه قائلا: ما يحضرني في ذلك شيء.
ثم أجلسه ينتظر من يجيب على سؤاله، فإذا أمير المؤمنين علي قد أقبل ومعه الحسين يتلوه، فدعا عمر الأعرابي أن يسأل عليا عليه السلام، فلما سأله أحاله الإمام إلى ولده الحسين عليه السلام قائلا له: سل هذا الغلام عندك.
فلما تضجر الأعرابي من هذه الإحالات قال له الناس: ويحك! هذا ابن رسول الله فاسأله، فقص الأعرابي عليه قصته، فأجابه الحسين بالحل الشرعي البين، فاعترضه عمر بإشكال، فأجابه الحسين على الفور، فقال له عمر: صدقت وبررت. ثم قام الإمام علي فضم الحسين إلى صدره وهو يتلو قوله تعالى:«ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم».
واهتدى الأعرابي ذلك اليوم، ولكن وبعد سنين أقبل أعرابي آخر، كان متلثما، فأخذ يسأل الحسين عليه السلام أسئلة عديدة، منها: كم بين الإيمان واليقين؟ قال عليه السلام: أربع أصابع. قال:كيف؟ أجابه: الإيمان ما سمعناه، واليقين ما رأيناه وبين السمع والبصر أربع أصابع. قال الأعرابي: فكم بين السماء والأرض؟ قال عليه السلام: دعوة مستجابة.
سأل الأعرابي كم بين المشرق والمغرب؟ أجابه: مسيرة يوم للشمس. قال فما عز المرء؟ فقال عليه السلام : إستغناؤه عن الناس. فعاد يسأل: فما أقبح شيء؟ أجابه الحسين: الفسق في الشيخ قبيح، والحدة في السلطان قبيحة، والكذب في ذي الحسب قبيح، والبخل في ذي الغناء، والحرص في العالم.
فقال الأعرابي: صدقت يابن رسول الله، فأخبره عن عدد الأئمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، فأجابه: إثناعشر، عدد نقباء بني إسرائيل. قال: فسمهم لي. هنا أطرق الحسين عليه السلام مليا، ثم رفع رأسه فقال: "نعم، أخبرك يا أخا العرب، إن الإمام والخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين علي عليه السلام، والحسن وأنا، وتسعة من ولدي منهم علي ابني، وبعده محمد ابنه، وبعده جعفر ابنه، وبعده موسى ابنه، وبعده علي ابنه، وبعده محمد ابنه، وبعده علي ابنه، وبعده الحسن ابنه، وبعده الخلف المهدي، هو التاسع من ولدي، يقوم بالدين في آخر الزمان". حتى إذا سمع الأعرابي ذلك قام وكأنه امتلأ إيمانا وهداية، ثم أخذ يقول في الحسين عليه السلام:
مسح النبي جبينه
فله بريق في الخدود
أبواه من عليا قريش
وجده خير الجدود
وختاما ننقل لكم أيها الأعزاء ما قاله أحد أهل المعرفة حيث قال: ما مرت بي معضلة علمية وتوسلت إلى الله عزوجل بالروح القدسية لرضيع الحسين ،عليهما السلام، الذي استشهد ظمآنا أواخرعصر عاشوراء إلا ومن الله عزوجل علي ببركة عبد الله الرضيع، عليه السلام، بحلها بما لم يكن يخطر على بال.
شكرا لكم أيها الإخوة والأخوات علي طيب الإستماع لهذه الحلقة من برنامج (بالحسين اهتديت) قدمناها لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران. تقبل الله أعمالكم ودمتم في رعايته سالمين.