وهذه الشعيرة الحسينية تجري بأكبر صورة لها في مدينة أردبيل، مركز محافظة أردبيل شمال غرب إيران.
فكرة حمل "الطسوت" التي ترمز إلى نهر الفرات، إلى المساجد والحسينيات، جاءت تأسياً بالعمل الإنساني الذي جسّده الإمام الحسين (عليه السلام) بموقفه مع جنود الحرِّ بن يزيد الرياحي حينما أمر أصحابه في السابع والعشرين من ذي الحجة من عام 61 للهجرة بسكب مياه القِرَبِ في الطسوت ليرتووا هم وخيولهم.
هذه المراسيم التي تبدأ في كل عام في السابع والعشرين من ذي الحجة، تعد واحدة أعرق الشعائر الحسينية في إيران وهي بمثابة إيذانٍ ببدء مراسيم العزاء الحسيني في المحرّم الحرام.
تحتوي مساجد مدينة أردبيل على منصّات توضع عليها طسوت نحاسية أو برونزية كبيرة، تحظى باحترام وافر من قبل المعزّين الحسينيين. وهذه الطسوت تبقى في مكانها الخاصّ بها طوال السنة إلى ما قبل ثلاثة أيام من شهر محرم الحرام حيث تبدأ مراسيم حملها وملئها بالماء إحياءً لموقف الإمام الحسين (عليه السلام).
تاريخياً، يعود إجراء هذه المراسيم الحسينية إلى مدينة أردبيل بالذات، حيث يشهد نحو مائتي من مساجد المدينة بدءاً من 27 ذي الحجة ولغاية الأول من محرم الحرام إقامة هذه الشعيرة الحسينية.
علماً أن المراسيم الرسمية الأولى تقام أولاً في المسجد الجامع بأردبيل بعد صلاتي المغرب والعشام من يوم السابع والعشرين من ذي الحجة وتستمر حتى بداية محرم الحرام.
ولنسوة المدينة أيضاً دور في هذه المراسيم إذ يقمن قبل أيام من بدء المراسم بعمليات ترتيب وتحضير المسجد الجامع وغسل الطسوت علماً أن لكلّ حيّ أو منطقة طست خاص يحمله نائب الحي ومعه شبابه المعزّون فوق رؤوسهم ويطوفون به المسجد الجامع قبل سكب الماء فيه. وبعد ذلك يتوالى الناس على الطسوت الموجودة ويغمرون أيديهم في الماء ليجسّدوا بذلك نوعاً من البيعة للإمام الحسين (عليه السلام)، والدعم لرمز الوفاء أخيه أبي الفضل العباس (عليه السلام).
وبعد نضد الطسوت على المنصّات المخصصة لها في المسجد، يحمل المعزون جرار الماء على أكتفاهم وسط زحام المعزّين ليفرغوا مياهها داخل الطسوت.
وعلى مدى العشرة الأولى من شهر محرم، يشرب المعزّون في أردبيل من مياه هذه الطسوت للعطش وطلباً لشفاء مرضاهم علماً أنه يجري دوماً ملء هذه الطسوت بالمياه.
وهذه المراسيم تتخللها فعاليات أخرى من قبيل تلاوة سورة "الفاتحة" المباركة وإشعال الشموع.
وفيما يخص الخلفية التاريخية لمراسيم حمل الطست في أردبيل، لم تتوفر بعد وثيقة تاريخية دقيقة، لكنّ نصّاً قديماً أشبه ما يكون بالابتهال الديني تتمّ تلاوته عند انطلاق هذه المراسيم ومكتوب بالفارسية والتركية والعربية، يفيد بأنَّ الاحتفاء بهذه المراسيم يعود إلى العهد الصفوي، فيما تشير مصادر ودراسات تاريخية أنها كانت تقام على عهد القجاريين، حيث كان الناس يستفيدون آنذاك من قِرَبِ الماء في عملية ملء الطسوت ، بيد أن هذه القِرَبَ حلت محلها حالياً جرار الماء.