الخطبة ۱٤٤: في مبعث الرسل بَعَثَ اللهُ رُسُلَهُ بِمَا خَصَّهُمْ بِهِ مِنْ وَحْيِهِ، وجَعَلَكُمْ حُجَّةً لَهُ عَلَى خَلْقِهِ، لِئَلاَّ تَجِبَ اَلْحُجَّةُ لَكُمْ بِتَرْكِ اَلْإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ، فَدَعَاهُمْ بِلِسَانِ اَلصِّدْقِ، إِلَى سَبِيلِ اَلْحَقِّ، أَلاَ إِنَّ اَللَّهَ تعالي قَدْ كَشَفَ اَلْخَلْقَ كَشْفَةً، لاَ أَنَّهُ جَهِلَ مَا أَخْفَوْهُ مِنْ مَصُونِ أَسْرَارِهِمْ، ومَكْنُونِ ضَمَائِرِهِمْ، ولَكِنْ لِيَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً، فَيَكُونَ اَلثَّوَابُ جَزَاءً، واَلْعِقَابُ بَوَاءً.
فضل اهل البيت:
أَيْنَ اَلَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمُ اَلرَّاسِخُونَ فِي اَلْعِلْمِ دُونَنَا، كَذِباً وبَغْياً عَلَيْنَا، أَنْ رَفَعَنَا اَللَّهُ ووَضَعَهُمْ، وأَعْطَانَا وحَرَمَهُمْ، وأَدْخَلَنَا وأَخْرَجَهُمْ، بِنَا يُسْتَعْطَى اَلْهُدَى، ويُسْتَجْلَى اَلْعَمَى، إِنَّ اَلْأَئِمَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ غُرِسُوا فِي هَذَا اَلْبَطْنِ مِنْ هَاشِمٍ، لاَ تَصْلُحُ عَلَى سِوَاهُمْ، ولاَ تَصْلُحُ اَلْوُلاَةُ مِنْ غَيْرِهِمْ.
ومنها في اهل الضلال:
آثَرُوا وَعَاجِلاً، وأَخَّرُوا آجِلاً، وتَرَكُوا صَافِياً، وشَرِبُوا آجِناً، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى فَاسِقِهِمْ، وقَدْ صَحِبَ اَلْمُنْكَرَ فَأَلِفَهُ، وبَسِئَ بِهِ ووَافَقَهُ، حَتَّى شَابَتْ عَلَيْهِ مَفَارِقُهُ، وصُبِغَتْ بِهِ خَلاَئِقُهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ مُزْبِداً كَالتَّيَّارِ لاَ يُبَالِي مَا غَرَّقَ، أَوْ كَوَقْعِ اَلنَّارِ فِي اَلْهَشِيمِ لاَ يَحْفِلُ مَا حَرَّقَ، أَيْنَ اَلْعُقُولُ اَلْمُسْتَصْبِحَةُ بِمَصَابِيحِ اَلْهُدَى، واَلْأَبْصَارُ اَللاَّمِحَةُ إِلَى مَنَارِ اَلتَّقْوَى، أَيْنَ اَلْقُلُوبُ اَلَّتِي وُهِبَتْ لِلَّهِ، وعُوقِدَتْ عَلَى طَاعَةِ اَللَّهِ، اِزْدَحَمُوا عَلَى اَلْحُطَامِ، وتَشَاحُّوا عَلَى اَلْحَرَامِ، ورُفِعَ لَهُمْ عَلَمُ اَلْجَنَّةِ واَلنَّارِ، فَصَرَفُوا عَنِ اَلْجَنَّةِ وُجُوهَهُمْ، وأَقْبَلُوا إِلَى اَلنَّارِ بِأَعْمَالِهِمْ، دَعَاهُمْ رَبُّهُمْ فَنَفَرُوا ووَلَّوْا، ودَعَاهُمُ اَلشَّيْطَانُ فَاسْتَجَابُوا وأَقْبَلُوا.
الخطبة ۱٤٥: في فناء الدنيا
أَيُّهَا اَلنَّاسُ، إِنَّمَا أَنْتُمْ فِي هَذِهِ اَلدُّنْيَا غَرَضٌ تَنْتَضِلُ فِيهِ اَلْمَنَايَا، مَعَ كُلِّ جَرْعَةٍ شَرَقٌ، وفِي كُلِّ أَكْلَةٍ غَصَصٌ، لاَ تَنَالُونَ مِنْهَا نِعْمَةً إِلاَّ بِفِرَاقِ أُخْرَى، ولاَ يُعَمَّرُ مُعَمَّرٌ مِنْكُمْ يَوْماً مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ بِهَدْمِ آخَرَ مِنْ أَجَلِهِ، ولاَ تُجَدَّدُ لَهُ زِيَادَةٌ فِي أُكُلِهِ، إِلاَّ بِنَفَادِ مَا قَبْلَهَا مِنْ رِزْقِهِ، ولاَ يَحْيَى لَهُ أَثَرٌ إِلاَّ مَاتَ لَهُ أَثَرٌ، ولاَ يَتَجَدَّدُ لَهُ جَدِيدٌ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يَخْلُقَ لَهُ جَدِيدٌ، ولاَ تَقُومُ لَهُ نَابِتَةٌ إِلاَّ وتَسْقُطُ مِنْهُ مَحْصُودَةٌ، وقَدْ مَضَتْ أُصُولٌ نَحْنُ فُرُوعُهَا، فَمَا بَقَاءُ فَرْعٍ بَعْدَ ذَهَابِ أَصْلِهِ.
ومنها في ذم البدعة:
ومَا أُحْدِثَتْ بِدْعَةٌ إِلاَّ تُرِكَ بِهَا سُنَّةٌ، فَاتَّقُوا اَلْبِدَعَ، واِلْزَمُوا اَلْمَهْيَعَ، إِنَّ عَوَازِمَ اَلْأُمُورِ أَفْضَلُهَا، وإِنَّ مُحْدِثَاتِهَا شِرَارُهَا.