الخطبة ۹۰: من خطبة له سلام الله عليه والمعروف بالخطبة الاشباح وهي من اجل خطبه، في صفة الأرض ودحوها على الماء
قال عليه السلام:
فَلَمَّا أَلْقَتِ اَلسَّحَابُ بَرْكَا بَوَانِيهَا، وبَعَاعَ مَا اِسْتَقَلَّتْ بِهِ مِنَ اَلْعِبْءِ اَلْمَحْمُولِ عَلَيْهَا، أَخْرَجَ بِهِ مِنْ هَوَامِدِ اَلْأَرْضِ اَلنَّبَاتَ، ومِنْ زُعْرِ اَلْجِبَالِ اَلْأَعْشَابَ، فَهِيَ تَبْهَجُ بِزِينَةِ رِيَاضِهَا، وتَزْدَهِي بِمَا أُلْبِسَتْهُ مِنْ رَيْطِ أَزَاهِيرِهَا، وحِلْيَةِ مَا سُمِّطَتْ بِهِ مِنْ نَاضِرِ أَنْوَارِهَا، وجَعَلَ ذَلِكَ بَلاَغاً لِلْأَنَامِ، ورِزْقاً لِلْأَنْعَامِ، وخَرَقَ اَلْفِجَاجَ فِي آفَاقِهَا، وأَقَامَ اَلْمَنَارَ لِلسَّالِكِينَ عَلَى جَوَادِّ طُرُقِهَا، فَلَمَّا مَهَدَ أَرْضَهُ، وأَنْفَذَ أَمْرَهُ اِخْتَارَ آدَمَ عليه السلام خِيرَةً مِنْ خَلْقِهِ، وجَعَلَهُ أَوَّلَ جِبِلَّتِهِ، وأَسْكَنَهُ جَنَّتَهُ، وأَرْغَدَ فِيهَا أُكُلَهُ، وأَوْعَزَ إِلَيْهِ فِيمَا نَهَاهُ عَنْهُ، وأَعْلَمَهُ أَنَّ فِي اَلْإِقْدَامِ عَلَيْهِ اَلتَّعَرُّضَ لِمَعْصِيَتِهِ، واَلْمُخَاطَرَةَ بِمَنْزِلَتِهِ، فَأَقْدَمَ عَلَى مَا نَهَاهُ عَنْهُ، مُوَافَاةً لِسَابِقِ عِلْمِهِ، فَأَهْبَطَهُ بَعْدَ اَلتَّوْبَةِ، لِيَعْمُرَ أَرْضَهُ بِنَسْلِهِ، ولِيُقِيمَ اَلْحُجَّةَ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ، ولَمْ يُخْلِهِمْ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ، مِمَّا يُؤَكِّدُ عَلَيْهِمْ حُجَّةَ رُبُوبِيَّتِهِ، ويَصِلُ بَيْنَهُمْ وبَيْنَ مَعْرِفَتِهِ، بَلْ تَعَاهَدَهُمْ بِالْحُجَجِ عَلَى أَلْسُنِ اَلْخِيرَةِ مِنْ أَنْبِيَائِهِ، ومُتَحَمِّلِي وَدَائِعِ رِسَالاَتِهِ، قَرْناً فَقَرْناً، حَتَّى تَمَّتْ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله وسلمَ حُجَّتُهُ، وبَلَغَ اَلْمَقْطَعَ عُذُرُهُ ونُذُرُهُ، وقَدَّرَ اَلْأَرْزَاقَ فَكَثَّرَهَا وقَلَّلَهَا، وقَسَّمَهَا عَلَى اَلضِّيقِ واَلسَّعَةِ، فَعَدَلَ فِيهَا لِيَبْتَلِيَ مَنْ أَرَادَ بِمَيْسُورِهَا ومَعْسُورِهَا، ولِيَخْتَبِرَ بِذَلِكَ اَلشُّكْرَ واَلصَّبْرَ مِنْ غَنِيِّهَا وفَقِيرِهَا، ثُمَّ قَرَنَ بِسَعَتِهَا عَقَابِيلَ فَاقَتِهَا، وبِسَلاَمَتِهَا طَوَارِقَ آفَاتِهَا، وبِفُرَجِ أَفْرَاحِهَا، غُصَصَ أَتْرَاحِهَا، وخَلَقَ اَلْآجَالَ فَأَطَالَهَا وقَصَّرَهَا، وقَدَّمَهَا وأَخَّرَهَا، ووَصَلَ بِالْمَوْتِ أَسْبَابَهَا، وجَعَلَهُ خَالِجاً لِأَشْطَانِهَا، وقَاطِعاً لِمَرَائِرِ أَقْرَانِهَا، عَالِمُ اَلسِّرِّ مِنْ ضَمَائِرِ اَلْمُضْمِرِينَ، ونَجْوَى اَلْمُتَخَافِتِينَ، وخَوَاطِرِ رَجْمِ اَلظُّنُونِ، وعُقَدِ عَزِيمَاتِ اَلْيَقِينِ، ومَسَارِقِ إِيمَاضِ اَلْجُفُونِ، ومَا ضَمِنَتْهُ أَكْنَانُ اَلْقُلُوبِ، وغَيَابَاتُ اَلْغُيُوبِ، ومَا أَصْغَتْ لاِسْتِرَاقِهِ مَصَائِخُ اَلْأَسْمَاعِ، ومَصَائِفِ اَلذَّرِّ، ومَشَاتِي اَلْهَوَامِّ، ورَجْعِ اَلْحَنِينِ مِنَ اَلْمُوَلَّهَاتِ، وهَمْسِ اَلْأَقْدَامِ، ومُنْفَسَحِ اَلثَّمَرَةِ مِنْ وَلاَئِجِ غُلُفِ اَلْأَكْمَامِ، ومُنْقَمَعِ اَلْوُحُوشِ مِنْ غِيرَانِ اَلْجِبَالِ وأَوْدِيَتِهَا، ومُخْتَبَإِ اَلْبَعُوضِ بَيْنَ سُوقِ اَلْأَشْجَارِ وأَلْحِيَتِهَا، ومَغْرِزِ اَلْأَوْرَاقِ مِنَ اَلْأَفْنَانِ، ومَحَطِّ اَلْأَمْشَاجِ مِنْ مَسَارِبِ اَلْأَصْلاَبِ، ونَاشِئَةِ اَلْغُيُومِ ومُتَلاَحِمِهَا، ودُرُورِ قَطْرِ اَلسَّحَابِ فِي تَرَاكِمِهَا، ومَا تَسْفِي اَلْأَعَاصِيرُ بِذُيُولِهَا، وتَعْفُو اَلْأَمْطَارُ بِسُيُولِهَا، وعَوْمِ نَبَاتِ اَلْأَرْضِ فِي كُثْبَانِ اَلرِّمَالِ، ومُسْتَقَرِّ ذَوَاتِ اَلْأَجْنِحَةِ بِذُرىَ شَنَاخِيبِ اَلْجِبَالِ، وتَغْرِيدِ ذَوَاتِ اَلْمَنْطِقِ فِي دَيَاجِيرِ اَلْأَوْكَارِ، ومَا أَوْعَبَتْهُ اَلْأَصْدَافُ، وحَضَنَتْ عَلَيْهِ أَمْوَاجُ اَلْبِحَارِ، ومَا غَشِيَتْهُ سُدْفَةُ لَيْلٍ أَوْ ذَرَّ عَلَيْهِ شَارِقُ نَهَارٍ، ومَا اِعْتَقَبَتْ عَلَيْهِ أَطْبَاقُ اَلدَّيَاجِيرِ، وسُبُحَاتُ اَلنُّورِ، وأَثَرِ كُلِّ خَطْوَةٍ، وحِسِّ كُلِّ حَرَكَةٍ، ورَجْعِ كُلِّ كَلِمَةٍ، وتَحْرِيكِ كُلِّ شَفَةٍ، ومُسْتَقَرِّ كُلِّ نَسَمَةٍ، ومِثْقَالِ كُلِّ ذَرَّةٍ، وهَمَاهِمِ كُلِّ نَفْسٍ هَامَّةٍ، ومَا عَلَيْهَا مِنْ ثَمَرِ شَجَرَةٍ، أَوْ سَاقِطِ وَرَقَةٍ، أَوْ قَرَارَةِ نُطْفَةٍ، أَوْ نُقَاعَةٍ دَمٍ ومُضْغَةٍ، أَوْ نَاشِئَةِ خَلْقٍ وسُلاَلَةٍ، لَمْ يَلْحَقْهُ فِي ذَلِكَ كُلْفَةٌ، ولاَ اِعْتَرَضَتْهُ فِي حِفْظِ مَا اِبْتَدَعَ مِنْ خَلْقِهِ عَارِضَةٌ ولاَ اِعْتَوَرَتْهُ فِي تَنْفِيذِ اَلْأُمُورِ، وتَدَابِيرِ اَلْمَخْلُوقِينَ مَلاَلَةٌ ولاَ فَتْرَةٌ، بَلْ نَفَذَهُمْ عِلْمُهُ، وأَحْصَاهُمْ عَدَدَهُ، ووَسِعَهُمْ عَدْلُهُ، وغَمَرَهُمْ فَضْلُهُ، مَعَ تَقْصِيرِهِمْ عَنْ كُنْهِ مَا هُوَ أَهْلُهُ.