الخطبة ۸٦: ومن خطبة له عليه السلام وفيها بيان الصفات الله الحق جل جلاله ثم عظة الناس بالتقوى والمشهورة
قال عليه السلام:
عِبَادَ اَللَّهِ، إِنَّ أَنْصَحَ اَلنَّاسِ لِنَفْسِهِ أَطْوَعُهُمْ لِرَبِّهِ، وإِنَّ أَغَشَّهُمْ لِنَفْسِهِ أَعْصَاهُمْ لِرَبِّهِ، واَلْمَغْبُونُ مَنْ غَبَنَ نَفْسَهُ، واَلْمَغْبُوطُ مَنْ سَلِمَ لَهُ دِينُهُ، واَلسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ، واَلشَّقِيُّ مَنِ اِنْخَدَعَ لِهَوَاهُ، واِعْلَمُوا أَنَّ يَسِيرَ اَلرِّيَاءِ شِرْكٌ، ومُجَالَسَةَ أَهْلِ اَلْهَوَى مَنْسَاةٌ لِلْإِيمَانِ، ومَحْضَرَةٌ لِلشَّيْطَانِ، جَانِبُوا اَلْكَذِبَ فَإِنَّهُ مُجَانِبٌ لِلْإِيمَانِ، اَلصَّادِقُ عَلَى شُرَفِ مَنْجَاةٍ وكَرَامَةٍ، واَلْكَاذِبُ عَلَى شَفَا مَهْوَاةٍ ومَهَانَةٍ، ولاَ تَحَاسَدُوا، فَإِنَّ اَلْحَسَدَ يَأْكُلُ اَلْإِيمَانَ كَمَا تَأْكُلُ اَلنَّارُ اَلْحَطَبَ، ولاَ تَبَاغَضُوا فَإِنَّهَا اَلْحَالِقَةُ، واعْلَمُوا أَنَّ اَلْأَمَلَ يُسْهِي اَلْعَقْلَ، ويُنْسِي اَلذِّكْرَ، فَأَكْذِبُوا اَلْأَمَلَ فَإِنَّهُ غَرُورٌ، وصَاحِبُهُ مَغْرُورٌ.
الخطبة ۸۷: من خطبة له عليه السلام وهي في بيان صفات المتقين وصفات الفساق والتنبيه الى مكان العترة الطيبة وظن الخاطيء لبعض الناس
عِبَادَ اَللَّهِ، إِنَّ مِنْ أَحَبِّ عِبَادِ اَللَّهِ إِلَيْهِ، عَبْداً أَعَانَهُ اَللَّهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَاسْتَشْعَرَ اَلْحُزْنَ، وتَجَلْبَبَ اَلْخَوْفَ، فَزَهَرَ مِصْبَاحُ اَلْهُدَى فِي قَلْبِهِ، وأَعَدَّ اَلْقِرَى لِيَوْمِهِ اَلنَّازِلِ بِهِ، فَقَرَّبَ عَلَى نَفْسِهِ اَلْبَعِيدَ، وهَوَّنَ اَلشَّدِيدَ، نَظَرَ فَأَبْصَرَ، وذَكَرَ فَاسْتَكْثَرَ واِرْتَوَى مِنْ عَذْبٍ فُرَاتٍ، سُهِّلَتْ لَهُ مَوَارِدُهُ، فَشَرِبَ نَهَلاً، وسَلَكَ سَبِيلاً جَدَداً، قَدْ خَلَعَ سَرَابِيلَ اَلشَّهَوَاتِ، وتَخَلَّى مِنَ اَلْهُمُومِ إِلاَّ هَمّاً وَاحِداً اِنْفَرَدَ بِهِ، فَخَرَجَ مِنْ صِفَةِ اَلْعَمَى ومُشَارَكَةِ أَهْلِ اَلْهَوَى، وصَارَ مِنْ مَفَاتِيحِ أَبْوَابِ اَلْهُدَى، ومَغَالِيقِ أَبْوَابِ اَلرَّدَى، قَدْ أَبْصَرَ طَرِيقَهُ، وسَلَكَ سَبِيلَهُ، وعَرَفَ مَنَارَهُ، وقَطَعَ غِمَارَهُ، واِسْتَمْسَكَ مِنَ اَلْعُرَى بِأَوْثَقِهَا، ومِنَ اَلْجِبَالِ بِأَمْتَنِهَا، فَهُوَ مِنَ اَلْيَقِينِ عَلَى مِثْلِ ضَوْءِ اَلشَّمْسِ، قَدْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ فِي أَرْفَعِ اَلْأُمُورِ، مِنْ إِصْدَارِ كُلِّ وَارِدٍ عَلَيْهِ، وتَصْيِيرِ كُلِّ فَرْعٍ إِلَى أَصْلِهِ، مِصْبَاحُ ظُلُمَاتٍ، كَشَّافُ عَشَوَاتٍ، مِفْتَاحُ مُبْهَمَاتٍ، دَفَّاعُ مُعْضِلاَتٍ، دَلِيلُ فَلَوَاتٍ، يَقُولُ فَيُفْهِمُ، ويَسْكُتُ فَيَسْلَمُ، قَدْ أَخْلَصَ لِلَّهِ فَاسْتَخْلَصَهُ، فَهُوَ مِنْ مَعَادِنِ دِينِهِ، وأَوْتَادِ أَرْضِهِ، قَدْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ اَلْعَدْلَ، فَكَانَ أَوَّلُ عَدْلِهِ نَفْيُ اَلْهَوَى عَنْ نَفْسِهِ، يَصِفُ اَلْحَقَّ ويَعْمَلُ بِهِ، لاَ يَدَعُ لِلْخَيْرِ غَايَةً إِلاَّ أَمَّهَا، ولاَ مَظِنَّةً إِلاَّ قَصَدَهَا، قَدْ أَمْكَنَ اَلْكِتَابَ مِنْ زِمَامِهِ، فَهُوَ قَائِدُهُ وإِمَامُهُ، يَحُلُّ حَيْثُ حَلَّ ثَقَلُهُ، ويَنْزِلُ حَيْثُ كَانَ مَنْزِلُهُ.
وآخَرُ قَدْ تُسَمَّى عَالِماً ولَيْسَ بِهِ، فَاقْتَبَسَ جَهَائِلَ مِنْ جُهَّالٍ، وأَضَالِيلَ مِنْ ضُلاَّلٍ، ونَصَبَ لِلنَّاسِ شْرَاكاً مِنْ حَبَائِلِ غُرُورٍ وقَوْلٍ زُورٍ، قَدْ حَمَلَ اَلْكِتَابَ عَلَى آرَائِهِ، وعَطَفَ اَلْحَقَّ عَلَى أَهْوَائِهِ، يُؤَمِّنُ اَلنَّاسَ مِنَ اَلْعَظَائِمِ، ويُهَوِّنُ كَبِيرَ اَلْجَرَائِمِ، يَقُولُ أَقِفُ عِنْدَ اَلشُّبُهَاتِ، وفِيهَا وَقَعَ، وأَعْتَزِلُ اَلْبِدَعَ وبَيْنَهَا اِضْطَجَعَ، فَالصُّورَةُ صُورَةُ إِنْسَانٍ، واَلْقَلْبُ قَلْبُ حَيَوَانٍ، لاَ يَعْرِفُ بَابَ اَلْهُدَى فَيَتَّبِعَهُ، ولاَ بَابَ اَلْعَمَى فَيَصُدَّ عَنْهُ، فَذَلِكَ مَيِّتُ اَلْأَحْيَاءِ.