بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة والسلام على رسول الرحمة محمد وآله الطاهرين .. السلام عليكم مستمعينا الكرام ورحمة الله وبركاته و أهلا بكم إلى نهج الحياة لنواصل الشرح الموجز لآيات أخرى من سورة غافر وهي الايات 29 - 33 . دعونا بداية لنستمع إلى تلاوة الاية 29 منها:
يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّـهِ إِن جَاءَنَا ۚ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴿٢٩﴾
تقدم الحديث في الحلقة الماضية عن مؤمن آل فرعون الذي سعى ليحوول دون مؤامرة اغتيال موسى من خلال تقديم أدلة منطقية. تواصل هذه الاية الإشارة إلى أنه لم يكتف بهذا القدر من الموعظة إنّما استمرّ يحاول معهم بلين وحكمة، حيث قال لهم كما يحكي ذلك القرآن من أنّه قال لهم أن بيدكم حكومة مصر الواسعة مع خيراتها و نعيمها فلا تكفروا بهذه النعم فيصيبكم العذاب الالهي.
ويحتمل أن يكون غرضه هو أنكم اليوم تملكون كلّ أنواع القوّة، وتستطيعون اتخاذ أي قرار تريدونه تجاه موسى (ع)، ولكن لا تغرنكم هذه القوّة، ولا تنسوا النتائج المحتملة وعواقب الأُمور.
ويظهر أنّ هذا الكلام أثر في حاشية فرعون وبطانته، فقلّل من غضبهم وغيظهم، لكن فرعون لم يسكت ولم يقتنع، فقطع الكلام بالقول: (قال فرعون ما أريكم إلاّ ما أرى) وهو إنّي ارى من المصلحة قتل موسى و لا حلّ لهذه المشكلة سوى هذا الحل.
ثمّ إنني : (و ما أهديكم إلاّ سبيل الرشاد) و هذه هو حال كافة الطواغيت و الجبّارين على طول التأريخ، فهم يعتبرون كلامهم الحق دون غيره، و لا يسمحون لأحد في إبداء وجهة نظر مخالفة لما يقولون، فهم يظنون أن عقلهم كامل، وأن الآخرين لا يملكون علماً ولا عقلا... وهذا هو منتهى الجهل والحماقة.
نتعلم من الاية المباركة :
- إن القدرة و الإمكانيات التي يحملها الفرد أو المجموعة أو الحكومات هي إنما أمانات إلهية لينظر كيف نعمل بها .
- إن تحذير المجرمين والمنحرفين من سوء أعمالهم هو من واجب المؤمنين حتى و إن كان المجرمون حكاما مقتدرين أمثال فرعون.
- إن تناسي التحذيرات وعدم الاهتمام بها هو من صفات الفراعنة وكل من يستبد برأيه.
الان نستمع إلى تلاوة مرتلة للايات 30-31:
وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ ﴿٣٠﴾
مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ ۚ وَمَا اللَّـهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ ﴿٣١﴾
أيها الأكارم كان الشعب المصري آنذاك يمتاز نسبياً بمواصفات التمدّن والثقافة، وقد اطّلع على أقوال المؤرخين بشأن الأقوام السابقة، أمثال قوم نوح وعاد وثمود الذين لم تكن أرضهم تبعد عنهم كثيراً، و كانوا على علم بما آل إليه مصيرهم ، لذلك كلّه فكّر مؤمن آل فرعون بتوجيه أنظار هؤلاء إلى أحداث التأريخ وأخذ يحذرهم من تكرار العواقب الأليمة التي نزلت بغيرهم، عساهم أن يتيقظوا ويتجنّبوا قتل موسى(ع) يقول القرآن الكريم حكاية على لسانه: (وقال الذي آمن يا قوم إنّي أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب).ثم أوضح مراده من هذا الكلام بأنني خائف عليكم عن العادات والتقاليد السيئة التي كانت متفشّية في الاقوام السالفة. (مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم).لقد نالت هذه الأقوام جزاء ما كانت عليه من الكفر والطغيان، إذ قتل من قتل منهم بالطوفان العظيم، وأصيب آخرون منهم بالريح الشديدة، وبعضهم بالصواعق المحرقة، ومجموعة بالزلازل المخرّبة.ولكن ينبغي أن تعلموا أنّ ما سيصيبكم و يقع بساحتكم هو من عند أنفسكم وبماجنت أيديكم: (وما الله يريد ظلماً للعباد).
تردشنا الايات إلى مجموعة من الدروس والعبر:
- إن دراسة ومطالعة التاريخ و مصير الأقوام الماضية تساعد الإنسان لمعرفة الطريق الصحيح.
- إن تحولت معتقدات الإنسان وتصرفاته السلبية إلى عادة يمارسها دوما فسيكون على شفا حفرة من الهلاك والسقوط ---أحيانا تكون البلايا والمصائب الدنيوية نتيجة ما قام به الإنسان من الأعمال والأفكار السلبية .
نستمع الان إلى تلاوة الاية 32-33 من سورة غافر :
وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ ﴿٣٢﴾
يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّـهِ مِنْ عَاصِمٍ ۗ وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴿٣٣﴾
تضيف الآية على لسان مؤمن آل فرعون : (ويا قوم إنّي أخاف عليكم يوم التناد) أي يوم تطلبون العون من بعضكم البعض، إلاّ أصواتكم لا تصل إلى أي مكان.
يوم "التناد" أي يوم القيامة وهو من أسماء يوم القيامة،لأن الناس ينادي بعضهم بعضا كمناداة أهل النّار لأهل الجنّة، أو مناداة الناس بعضهم لبعض طلباً للعون والمساعدة.
مما نتعلمه من الايتين هو أن تحذير المخطئين من عواقب أعمالهم هو ما يحرص عليه المؤمنون. كما نفهم أن الهداية والضلال أمر بيد الله تعالى. -فاصل - مع انتهاء الوقت المخصص لهذا البرنامج نشكركم على حسن المتابعة وإلى اللقاء .