بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة على حبيب الله محمد وآله الطاهرين . السلام عليكم و رحمة الله وبركاته و أهلا بكم إلى حلقة جديدة من نهج الحياة .نحط رحلنا عند شرح ميسر للايات 59 حتى 63 من سورة الزمر المباركة ونبدء اللقاء بالاستماع إلى تلاوة الايتين 59و 60 :
بَلَىٰ قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴿٥٩﴾
وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّـهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ ﴿٦٠﴾
تقدم الكلام في الحلقة الماضية عن اولئك الذين يصحون من غفلتهم عندما يشاهدون العذاب الالهي الاليم و يتحسرون على أعمارهم التي قضوها بالغفلة والنسيان و يأملون لو يعودوا إلى الدنيا ليكونوا من المحسنين . هذه الايات بصدد نفي حدوث أي قصور فيما يتعلق بهداية هؤلاء وأسبابها في الدنيا فقد بعث الله لهم الانبياء و الرسل و انزل معهم الكتب لهدايتهم إلى طريق النجاة و الفلاح كما أنه تعالى متعهم بنعمة العقل الذي يميز لهم الخير والشر . إلا أن استكبارهم وتغطرسهم على الحق منعهم من الرضوخ لتعاليم الانبياء ولذلك فقد سقطوا في مهالك النيران و أصبحت وجوههم كالحة يشمئز منها أهل النار جميعا .
و الواقع أن اسوداد وجوه الكاذبين يوم القيامة دليل على ذلتهم وهوانهم وفضيحتهم، فكما هو معروف فإن ساحة القيامة هي ساحة ظهور الأسرار والخفايا وتجسيد أعمال وأفكار الإنسان، فالذين كانت قلوبهم سوداء ومظلمة في الدنيا، وأعمالهم وأفكارهم سوداء ومظلمة أيضاً، يخرج هذا السواد والظلام من أعماقهم إلى خارجهم في يوم القيامة ليطفح على وجوههم التي تكون في ذلك اليوم مسودّة ومظلمة.
نستلهم من الايات التعاليم التالية :
- إن الله لا يعذب الناس قبل أن يتم عليهم الحجة من خلال منحهم العقل والوحي.
- إن التكبر والاغترار بالنفس سبب لنكران الحقائق الالهية.
- كون الانسان أسود اللون بحسب الطبيعة البشرية ليس عيبا ولكن السواد القلب موجب للحقارة والذلة يوم القيامة .
- سواد الوجه الحقيقي وسواد القلب هو الذي يظهر في يوم القيامة .
نستمع الان إلى تلاوة الاية 61 من سورة الزمر :
وَيُنَجِّي اللَّـهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿٦١﴾
هذه الآية تتحدث عن طائفة تقابل الطائفة السابقة، حيث تتحدث عن المتقين وابتهاجهم في يوم القيامة، ثم توضح فوزهم وانتصارهم من خلال جملتين قصيرتين مفعمتين بالمعاني،(لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون). فهم يعيشون في عالم لا يوجد فيه سوى الخير والطهارة والسرور، وهذه العبارة القصيرة جمعت - حقّاً - كلّ الهبات الإلهية فيها.
ترشدنا الاية إلى تعاليم منها:
- إن التقوى سبب لسعادة الدنيا والفلاح يوم القيامة .
- إن التقوى درع تقي الإنسان من القبائح والشرور في الدنيا.
- إن المتقين بعيدون كل البعد عن الشرور ولا يصيبهم الخوف والحزن .
و هذه تلاوة مرتلة للايتين 62 و63 من سورة الزمر:
اللَّـهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴿٦٢﴾
لَّهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّـهِ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴿٦٣﴾
تبحث هذه الايات من جديد عن موضوع التوحيد والجهاد ضدّ الشرك، وتواصل مجادلة المشركين، حيث تقول: (الله خالق كلّ شيء وهو على كل شيء وكيل). العبارة الأولى في هذه الآية تشير إلى (توحيد الله في الخلق) والثانية تشير إلى (توحيده في الربوبية).
فمسألة (توحيده في الخلق) هي حقيقة اعترف بها حتى المشركون، كما ورد في لآية (38) من السورة هذه (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله).
ولكنّهم ابتلوا بالإنحراف فيما يتعلق بمسألة (توحيده في الربوبية)، ففي بعض الأحيان اعتبروا الأصنام هي التي تحفظهم وتحميهم وتدبر أمرهم، وكانوا يلجؤون إليها عندما يواجهون أي مشكلة. والقرآن المجيد - من خلال الآية المذكورة أعلاه - يشير إلى حقيقة أنّ تدبير أُمور الكون وحفظه هي بيد خالقه، وليس بيد أحد آخر، ولهذا يجب اللجوء إليه دائماً.
من تعاليم وإرشادات هذه الايات :
- تحتاج الكائنات كلها إلى الله في وجودها وبقائها في العالم . فالله تعالى هو الخالق وهو الرب و المدبر لأمور الكون.
- إن الاعتقاد بتوحيد الخالق والمدبر يجب أن يعم جميع شؤون وزوايا حياة الإنسان .
بهذا تنتهي هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.