بسم الله الرحمن الرحيم و صلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين السلام عليكم مستمعينا الكرام و رحمة الله .. أهلا بكم إلى حلقة جديدة من نهج الحياة و مواصلة الشرح الميسر للايات أخرى من سورة الزمر المباركة، دعونا في بداية هذا البرنامج أن نصغي إلى تلاوة الاية 5 منها :
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ۗ أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ ﴿٥﴾
تواصل الاية الخامسة من سورة الزمر الحديث عن التوحيد في الخلق وتدبير شؤونه و ضرورة تخليص المعتقدات الدينية من الشرك والخرافات لتكون مقبولة عند الله تعالى .ولإثبات حقيقة أنّ الله لا يحتاج إلى مخلوقاته، ولبيان دلائل توحيده وعظمته، يقول الباريء عزّوجلّ: (خلق السموات والأرض بالحق).
فهذا الخلق المتقن دليل على وجود هدف كبير من وراءه، وذلك لتكامل المخلوقات وفي مقدمتها الإنسان.
بعد عرض هذا الخلق الكبير، تشير الآية إلى جوانب من تدبيره العجيب، والتغيرات التي تطرأ بحسابات دقيقة، والأَنظمة الدقيقة أيضاً التي تحكم أُولئك، إذ يقول القرآن المجيد: (يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل). يبين القرآن المجيد ظاهرة الليل والنهار و (النور) و (الظلمات) في عدّة آيات مختلفة الحديث - هنا - يتطرق لتوغّل الليل في النهار وتوغل النهار في الليل التي تتمّ بصورة بطيئة وهادئة.و أحياناً اُخرى يقول: (يغشى الليل النهار) ، وهنا تمّ تشبيه الليل بستائر مظلمة تنزل على ضياء النهار وتحجبه.
ثمّ تنتقل إلى جانب آخر، ألا وهو التدبير والنظام الدقيق المسير لشؤون هذا العالم، قال تعالى: (و سخر الشمس والقمر كلّ يجري لأجل مسمى).
نستلهم من الاية المباركة بعض الدروس :
- لقد بني نظام الخلق والتكوين وكذلك نظام التشريع والكتب السماوية على أساس حقيقي هادف .
- تسير الكواكب بكل انتظام كل في مداره الخاص و تحت أمر و إرادة رب العزة إلى أجل معلوم عند الله تعالى.
والان نستمع إلى تلاوة الاية 6 من سورة الزمر :
خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ۚ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّـهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ ۖ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ ﴿٦﴾
مرّة اُخرى تستعرض آيات القرآن الكريم عظمة خلق الله، وتبيّن في نفس الوقت بعض النعم الأُخرى التي منّ بها الله سبحانه وتعالى على الإنسان. إن خلق بني آدم من نفس واحدة إشارة إلى مسألة خلق آدم أبي البشر، إذ أنّ كل البشر وبتنوع خلقتهم وأخلاقهم وطبائعهم واستعداداتهم وأذواقهم المختلفة يعودون في الأصل إلى آدم(ع).عبارة: (ثمّ جعل منها زوجها) إشارة إلى أن الله خلق آدم في البداية، ثمّ خلق زوجته حواء. بعد هذا ينتقل الحديث إلى مسألة خلق أربعة أنواع من الانعام تؤمّن للإنسان ضروريات الحياة، حيث يستفيد من جلودها وحليبها ولحمها ، ومن جهة أخرى يستخدمها كوسيلة لتنقّله وحمل أثقاله . المقصود من (الأزواج الثمانية) الذكر والأنثى لكلّ من الإِبل والبقر والضأن والمعز، ومن هنا فإنّ كلمة (زوج) تطلق على كلّ من الذكر والأنثى، ولهذا فأنّ عدده يكون ثمانية أزواج.
و بالتالي تتطرق الآية إلى حلقة اُخرى من حلقات خلق الله، وهي عملية نمو الجنين إذ تقول الآية: (يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاث). ويتضح أنّ المقصود من (خلقاً من بعد خلق) هو الخلق المتكرر والمستمر، وليس الخلق مرتين فقط.و أخيرا تخاطب الاية منكري المعاد والتوحيد والقائلين بشركاء للباري تعالى . (ذلكم الله ربّكم له الملك لا إله إلاّ هو فأنى تصرفون).
فأحياناً يصل الإنسان بعد مشاهدته لهذه الأثار التوحيدية العظيمة إلى مقام الشهود. ثمّ أشار القران إلى ذات الله القدسية، حيث يقول: (ذلكم الله ربّكم) حقّاً لو كانت هناك عين بصيرة فيمكنها أن تراه إنّه وراء هذه الآثار... فعين الجسم ترى الآثار، وعين القلب ترى خالق الآثار.
ترشدنا الاية إلى:
- جميع بني البشر ولدوا من أب وأم واحدة و عليه فإنهم إخوان و لهم حقوق متساوية .
- تتحق قمة الإنسانية لدى الفرد بغض النظر عن كونه رجلا أو امرأة.
- تمر عملية خلق الانسان في بطن أمه بمراحل عدة و أن فترة الجنين تعتبر من المعاجز الالهية الكبرى ،و مع تولد الطفل تزداد العظمة وتنكشف أمام الناظر إليه.
أيها الأحبة في ختام هذا اللقاء نشكركم على حسن المتابعة وفي أمان الله وحفظه .