بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد وآله الطاهرين .. يتجدد لقاءنا بحضراتكم ضمن حلقة من برنامج نهج الحياة لنواصل الحديث في سورة ص و تحديدا في الايات 75 حتى 78. لنبدء البرنامج بالاستماع إلى تلاوة مرتلة للايتين 75 و76 من سورة صاد المباركة:
قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ ﴿٧٥﴾
قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ﴿٧٦﴾
تحدثنا في الحلقة السابقة عن خلق الله تعالى لآدم وأمره للملائكة بأن يسجدوا لهذا الكائن الذي خلقه الله من طين فسجد كلهم أجمعون إلا ابليس ابى واستكبر وهنا إستجوب الباريء عزّوجلّ إبليس: (قال ياإبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي استكبرت أم كنت من العالين) أي أكان عدم سجودك لأنّك استكبرت، أم كنت من الذين يعلو قدرهم عن أن يؤمروا بالسجود؟! لقد علّل إبليس عدم سجوده لآدم وعصيانه أمر الله بالمقدّمات التالية:
- إنه خلق من نار، أمّا آدم فقد خلق من طين، وهذه حقيقة صرّح بها القرآن المجيد في الآيتين 14 و15 من سورة الرحمن : (خلق الإنسان من صلصال كالفخّار وخلق الجانّ من مارج من نار).
- إنّ الشيء المخلوق من النار أفضل من الشيء المخلوق من التراب، لأنّ النار أشرف من التراب
- لا يحقّ لأحد أن يأمر مخلوقاً بالسجود لمخلوق آخر دنى منه. مستمعينا الكرام إن خطأ إبليس يكمن في المقدّمتين الأخيرتين، وذلك من عدّة وجوه:
- لأنّ آدم لم يكن تراباً فقط، وإنّما نفخت فيه الروح الإلهية، وهذا هو سبب عظمته، وإلاّ فأين التراب من كلّ هذا الفخر والإستعداد والتكامل؟
- التراب ليس بأدنى من النار، وإنّما هو أفضل منها بكثير،فالتراب هو مصدر كلّ أنواع البركة، والنار رغم أهميّتها الكبرى في الحياة فإنّها لا تبلغ أبداً أهميّة التراب.
- المسألة، هي مسألة طاعة أوامر الله سبحانه وتعالى وتنفيذها، لأنّه خالقنا ونحن عبيده ويجب أن نطبّق أوامره.
نستلهم من الايات:
- يجب إمهال المجرم ليدافع عن نفسه ليكشف عن الأسباب التي دعته إلى ارتكاب الجرم.
- إن الإنسان يحتل مرتبة أعظم من خلق سائر الكائنات بما فيها الملائكة والجن والحيوانات .
- يجب الخضوع والتسليم لأمر الله وعدم تبرير العصيان بذرائع واهية .
- إن التكبر أمام الله هو سبب معصية العاصين .
- إن تفضيل عنصر على آخر أو قومية على أخرى نابع من الأفكار الشيطانية.
والان ننصت إلى تلاوة الايتين 77 و 78 من سورة صاد:
قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ﴿٧٧﴾
وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ ﴿٧٨﴾
بعد أن هدم الشيطان بتكبره صرح عبوديته لله تعالى والذي بناه خلال ستة آلاف سنة، وجب إخراجه من صفوف الملأ الأعلى والملائكة الكرام، فخاطبه الباريء عزّوجلّ بالقول: (قال فاخرج منها فإنّك رجيم).أي اخرج من صفوف الملائكة المطهرين، فهذا المكان مكان الطاهرين والمقرّبين، وليس بمكان المذنبين والعاصين. و لعل سائلا يسأل عن تناسب هذه العقوبة الكبيرة مع معصية إبليس ترك سجدة واحدة لآدم ..؟أما الجواب فهو أن المعصية أمر مرفوض تماما ولكن الأهم منها هو تبرير المعصية وخلق الذرائع لها .فالنبي آدم (ع) عصى ربه وتناول من تلك الشجرة الممنوعة لكنه استغفر وتاب إليه وأناب وأما إبليس أصر على خطيئته و بررها ولذا شملته العقوبة الالهية بهذا الحجم .
و إلى بعض من تعاليم ومواعظ الايتين المباركتين:
- لا يتنج عن الكبر والغرور والتفاخر سوى الابتعاد عن الرحمة الالهية و السقوط في مهالك الردى والضلال.
- ينبغي طرد أو نفي العناصر المضرة بالمجتمع ويجب أن يكون زمام أمور إدارة البلاد بيد صالحة وأمينة.
- إن أفراد المجتمع يجب أن يشهدوا الذلة والحقارة التي تلحق بالحساد والحاقدين والمغرورين.
أيها الأكارم إلى هنا انتهت هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة على امل أن نلقاكم مجددا نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.