بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد و اله الطيبين الطاهرين . مستمعينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته في بداية هذا اللقاء من نهج الحياة لنواصل الشرح الميسر لسورة صاد المباركة وقد بلغ بنا الحديث إلى الاية 44 فلننصت خاشعين الى تلاوة هذه المباركة :
وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ ۗ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴿٤٤﴾
في الحلقة الماضية عن النبي أيوب (ع) والامتحانات الشديدة والصعبة التي أبتلي بها في الأموال والأولاد وفي جسمه أخيرا ولكنه صبر على تلك البلاءات و لم يجزع ؛ و كانت زوجة النبي أيوب ترافقه في هذه المحنة فلم تتركه لحظة واحدة حتى عندما بلغ به المرض مبلغه إلا أنها تأثرت بوسوسة الشيطان عندما ظهر أمامها وقال لها: إنّي اُعالج زوجك بشرط أن تقولي حينما يتعافى: إنّي الوحيد الذي كنت السبب في معافاته، ولا اُريد أيّ اُجرة على معالجته ... الزوجة التي كانت متألّمة ومتأثّرة بشدّة لاستمرار مرض زوجها وافقت على الإقتراح، وعرضته على زوجها أيّوب فيما بعد، فتأثّر أيّوب كثيراً لوقوع زوجته في شراك الشيطان، وحلف أن يعاقب زوجته مقسما بالله تعالى.. إلا أنه بعد أن شفي بإذن الله تعالى و تخلص من مرضه، قرر أن يغض النظر عن معاقبتها تقديرا للتضحيات التي قامت بها أيام الضنك والمحن .
هذه الاية المباركة تنهى النبي أيوب عن نقض حلفه بالله تعالى لأنه قسم باسم الله وعليه أن يوقر هذا الاسم العظيم ولكن من جانب آخر فلأن زوجته كانت تستحق العفو والسماح لما بذلته من تضامن وحماية للنبي طوال أيام المحن فقد حمل النبي أيوب مجموعة من السيقان بأمر من الله تعالى وضرب بها زوجته بكل هدوء ليكون بذلك مؤديا لحلفه بالله تعالى و عدم إيصال أي ضرر لزوجته.
نتعلم من الاية :
- أن الله يعفو عن سيئات المسيئين لما قدموا من حسنات .
- إن للفظ الجلالة (الله) حرمة ومكانة ينبغي أن لا ينقض القسم إذا كان بالله تعالى.
- إن كانت العلاقة الرحمية والقربى تربط الفرد مع النبي فإنها لا تمنع من تطبيق القانون الالهي بحقه.
والان أيها الأكارم نستمع إلى تلاوة الايات 45 حتى 48 من سورة صاد المباركة.
وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ ﴿٤٥﴾
إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ﴿٤٦﴾
وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ ﴿٤٧﴾
وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ ۖ وَكُلٌّ مِّنَ الْأَخْيَارِ ﴿٤٨﴾
تستعرض آيات بحثنا هذا أسماء ستّة من أنبياء الله، وتوضّح بصورة مختصرة بعض صفاتهم البارزة التي يمكن أن تكون اُنموذجاً حيّاً لكلّ بني الإنسان.والذي يلفت الإنتباه، هو أنّ هذه الآيات استعرضت ستّا من صفات مختلفة لاُولئك الأنبياء، ولكلّ صفة معناها ومفهومها الخاصّ بها.
مقام العبودية هو أوّل ميزة لاُولئك الأنبياء، وحقّاً فإنّ كلّ شيء جمع في هذه الصفة فالعبودية لله تعني التبعية المطلقة له، وتعني الإستسلام الكامل لإرادته، والإستعداد لتنفيذ أوامره في كلّ الأحوال.
وتذكر الايات صفات أخرى لهؤلاء الانبياء الكرام ومنها أنهم أولو الأيدي أي أصحاب قوّة الإدراك والتمييزو حسن الأداء . فهؤلاء الأنبياء على مستوى عال من المعرفة، وأنّ مستوى علمهم بشريعة الله وأسرار الخلق وخفايا الحياة لا يمكن تحديده.
ثم تتحدث الايات عن بعد النظر لدى الانبياء (ع) و تطلعهم إلى عالم آخر، فإن آفاق نظرهم لا ينتهي عند الحياة الدنيا ولذّاتها المحدودة، بل يتطّلعون إلى ما وراءها من حياة أبدية ونعيم دائم، ولهذا يبذلون الجهد ويسعون غاية السعي لنيلها. ثم إنّ إيمانهم وعملهم الصالح كانا السبب في إصطفاء الباريء عزّوجلّ لهم من بين الناس لأداء مهام النبوّة وحمل الرسالة، وعملهم الصالح وصل إلى درجة استحقّوا بحقّ إطلاق كلمة (الأخيار) عليهم، فأفكارهم سليمة، وأخلاقهم رفيعة، وتصرفاتهم وأعمالهم طوال حياتهم متّزنة.
ما نتعلمه من هذه الايات :
- إن من اساليب الدعوة القرانية إلى الله تعالى و تربية الناس هو حكاية الأقوام الماضية و توقير الانبياء وتعظيمهم.
- إن السبب الرئيس لبلوغ الانبياء أعلى درجات الكمال هو عبوديتهم لله تعالى. و عليه فقد ذكرت صفة العبودية لدى الانبياء قبل جميع الكمالات الاخرى .
ايها الاكارم انتهى وقت البرناج على امل الملتقى نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله و بركاته.