بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين ..السلام على مستمعي برنامج نهج الحياة ورحمة الله وبركاته .نحن معكم لنحط رحلنا عند آيات أخرى من سورة "صاد" المباركة وآيات هذه الحلقة هي 39 إلى 43 منها. بداية مع تلاوة الايتين 39 و40 من هذه السورة المباركة :
هَـٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴿٣٩﴾
وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ ﴿٤٠﴾
جرى الحديث في الحلقات الماضية حول النبي سليمان (ع) لتصل حكايته (ع) في القران إلى نهايتها فتشير الايات إلى نعمة أخرى أنعمها الله سبحانه وتعالى على نبيّه سليمان (ع) وهي إعطاؤه الصلاحيات الواسعة والكاملة في توزيع العطايا والنعم على من يريد، ومنعها عمّن يريد حسب ما تقتضيه المصلحة صلاحيات واسعة لن تكون مورد حساب أو مؤاخذة، وذلك لصفة العدالة التي كان يتمتّع بها سليمان في مجال إستخدام تلك الصلاحيات، أو أنّ العطاء الإلهي لسليمان كان عظيماً بحيث أنّه مهما منح منه فإنّه يبقى عظيماً وكثيراً.
و أما النعمة الأخيرة التي منّ الله سبحانه وتعالى بها على سليمان (ع) هي المراتب المعنوية اللائقة التي شملته، كما ورد في آلاية المباركة (وإنّ له عندنا لزلفى وحسن مآب).وهي تعتبرردا على اُولئك الذين يدّنسون قدسية أنبياء الله العظام بادّعاءات باطلة وواهية يستقونها من كتاب التوراة الحالي المحرّف، الاية المباركة تشيد بمرتبته عند الباريء عزّوجلّ، و بحسن العاقبة والمنزلة الرفيعة عند الله.
نتعلم من الايتين :
- إن ما يمتلكه الحاكم في حكومة الإسلام لم يكن سوى عطاء إلهي يجب أن يكون في خدمة الناس .
- لا تعارض بين امتلاك القدرة والثروة مع سياقات العبودية والتقرب إلى الله تعالى .كما لا تتعارض الاستفادة من الامكانيات الطبيعية والمادية مع اكتساب الكمالات والمدارج الروحية .
والان ايها الاكارم نستمع إلى تلاوة الايات 41 حتى 43 من سورة صاد المباركة و التي تذكر جانبا من حياة النبي أيوب (ع):
وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ﴿٤١﴾
ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴿٤٢﴾
وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴿٤٣﴾
آيات بحثنا هذا تشير إلى أيّوب (ع) الذي كان اُنموذجاً حيّاً للصبر والإستقامة، وذلك لتعطي درساً لمسلمي ذلك اليوم ويومنا الحاضر وغداً، درساً في مقاومة مشاكل الحياة وصعابها.
هذه الآيات تبيّن أوّلا علوّ مقام أيّوب عند الباري عزّوجلّ، وذلك من خلال كلمة "عبدنا"، وثانياً فإنّها تشير بصورة خفيّة إلى الإبتلاءات الشديدة، وإلى الألم والعذاب الذي مسّ أيّوب (ع).
فقد سئل الإمام الصادق عن بليّة أيّوب التي ابتلي بها في الدنيا لأيّ علّة كانت؟ فأجاب (ع) بقوله: "لنعمة أنعم الله عزّوجلّ عليه بها في الدنيا وأدّى شكرها، وكان في ذلك الزمان لا يحجب إبليس دون العرش، فلمّا صعد ورأى شكر نعمة أيّوب (ع) حسده إبليس، فقال: ياربّ، إنّ أيّوب لم يؤدّ إليك شكر هذه النعمة إلاّ بما أعطيته من الدنيا، ولو حرمته دنياه ما أدّى إليه شكر نعمة أبداً، فسلّطني على دنياه حتّى تعلم أنّه لم يؤدّ إليك شكر نعمة أبداً ، فقال له الباري عزّوجلّ: قد سلّطتك على ماله وولده، قال: فانحدر إبليس فلم يبق له مالا ولا ولداً إلاّ أعطبه (أي أهلكه) فازداد أيّوب لله شكراً وحمداً. قال: فسلّطني على زرعه ياربّ، قال: قد فعلت، فجاء مع شياطينه فنفخ فيه فاحترق، فازداد أيّوب لله شكراً وحمداً، فقال: ياربّ سلّطني على غنمه، فسلّطه على غنمه فأهلكها، فازداد أيّوب لله شكراً وحمداً، فقال: ياربّ سلّطني على بدنه فسلّطه على بدنه ما خلا عقله وعينيه، فنفخ فيه إبليس فصار قرحة واحدة من قرنه إلى قدمه، فبقي في ذلك دهراً طويلا يحمد الله ويشكره".فذات مرة زارته مجموعة من رهبان بني إسرائيل وقالوا له: ما نرى ابتلاك بهذا الإبتلاء الذي لم يبتل به أحد إلاّ من أمر كنت تستره؟ فقال أيّوب (ع): وعزّة ربّي لم أرتكب أي ذنب، وما أكلت طعاماً إلاّ ويتيم أو ضعيف يأكل معي".
في النهاية خرج أيّوب (ع) سالماً من بودقة الإمتحان الإلهي، وقد بدء نزول الرحمة الإلهيّة عليه ، إذ صدر إليه الأمر "اركض برجلك هذا " أي دك الأرض برجلك يخرج لك مغتسل بارد وشراب.
من تعاليم الايات هي أولا:
- العاقل لا يغتر بنفسه بل يرى أنه من الممكن أن يفقد جميع ما حصل عليه لغروره .
- أن لا نيأس من رحمة الله تعالى حتى في أحلك الظروف .
في نهاية هذا البرنامج نشكركم على طيب متابعتكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .