بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة والسلام على سيد الأنام محمد وآله الطاهرين .. سلام من الله عليكم ورحمة منه وبركات أيها المستمعون الأكارم وأهلا بكم إلى نهج الحياة إذ نواصل الحديث في آيات أخرى من سورة الصافات المباركة و هي 26 حتى 28 منها.. فلنصغ متدبرين في الاية 26 من هذه السورة المباركة:
يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ﴿٢٦﴾
أيها الأكارم نواصل استعراض قصّة داوود (ع)، ونقف هنا على أعتابها النهائية، حيث إن آيات بحثنا هذا هي آخر الآيات الواردة في هذه السورة بشأن داوود (ع)، إذ تخاطبه بلهجة حازمة وبعبارات مفعمة بالمعاني، شارحة له وظائفه ومسؤولياته الجسيمة بعد أن وضحت مقامه الرفيع ..
تضمّ الآية خمس جمل، كلّ واحدة منها تتحدّث عن حقيقة معيّنة ، الاُولى تتحدث عن خلافة داوود(ع) في الأرض فهو خليفة الله في أرضه والمنفّذ لأوامره. و الجملة الثانية: تأمر داوود بأن يحكم بين الناس بالحق و هو في واقع الأمر إحدى ثمار خلافة الله أي ظهور حكومةٍ تحكّم بالحقّ. أمّا الجملة الثالثة: فإنّها تشير إلى أهمّ خطر يهدّد الحاكم العادل، ألا وهو اتّباع هوى النفس، فأينما وجد الضلال كان لهوى النفس ضلع في ذلك، وأينما اتّبع هوى النفس فإنّ عاقبته الضلال. فالحاكم الذي يتّبع هواه، إنّما يفرّط بمصالح وحقوق الناس لأجل مطامعه، ولهذا السبب فإنّ حكومته تكون مضطربة ومصيرها الإنهيار والزوال. وأخيراً فإنّ الجملة الخامسة تشير إلى أنّ كلّ ضلال عن سبيل الله لا ينفكّ عن نسيان يوم الحساب، ومن ينسى يوم الحساب فإنّ عذاب الله الشديد ينتظره .
نشير إلى بعض ما تعلمناه من الآية المباركة :
- لا انفصال بين الدين والسياسة فقد تولى النبي داوود (ع) السلطة و تدبير أمور الناس.
- ينبغي أن يكون الحق هو الملاك والمعيار في القضاء بين الناس وليس ما تمليه الأهواء والنزوات.
- إذا اتبع الحاكم هواه فيزال الحق عن مكانه .
- إن السقوط والهلاك يأتيان بشكل تدريجي فاما البداية مع اتباع الهوى ثم الانحراف عن الصراط ونسيان يوم القيامة و بالتالي الوقوع في عذاب أليم .
و الان نستمع إلى تلاوة الايتين 27 و 28 من سورة الصاد المباركة:
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ﴿٢٧﴾
أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ﴿٢٨﴾
تتمّة للبحث الذي إستعرض حال داوود وخلافته في الأرض، تتطرّق هذه الآيات إلى كون العالم يحمل هدفا ساميا و من البديهي فإن الذين يؤمنون بالله تعالى فهم يؤمنون بيوم المعاد وعلى أساس هذا المعتقد فإن لهم سلوكا سويا غير سلوك الكفار والمكذبين بيوم القيامة فالمجموعة الأولى تسير نحو صلاح الذات وصلاح المجتمع و أما المجموعة الثانية تتحرك نحو الفساد والإفساد في المجتمع و بالتالي فإن المجموعة الأولى ينتجون التقوى والإيمان و الأخرى تنتج السقوط والإجرام في المجتمع .
و قد جاء في إحدى الروايات التي تفسّر قوله تعالى: (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) بأنّها إشارة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وأنصاره، في حين أنّ بقيّة الآية (المفسدين في الأرض) إشارة إلى أعدائه و مبغضيه ..
نستلهم من الايات مجموعة من الدروس والعبر نذكر بعضها:
- إن الرؤية الدينية للعالم تؤكد الهدفية والحكمة وراء خلق هذا العالم الأمر الذي ترفضه المدارس الفكرية البشرية.
- بما أن النظام الكوني قائم على أساس الحق فيجب أن تسن القوانين التي تحكم البشرو هي تعتمد على أساس حق كل ذي حق .
- إن الحق يقضي بتطبيق الحق في الدنيا والاخرة و أن اعتبار المحسن و المجرم في خانة واحدة هو من أهم المهالك .
- أن العصيان من أوامر الباري تعالى هو عامل انتشار الفسق والفجور في المجتمع.
إلى هنا وتنتهي حلقة أخرى من حلقات برنامج نهج الحياة نشكركم على حسن اصغائكم والى اللقاء بعونه تعالى .