البث المباشر

تفسير موجز للآيات 20 الى 25 من سورة ص

السبت 17 أغسطس 2024 - 13:27 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: الحلقة 837

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة على رسول الله وأهل بيته الأطهار .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلا بكم إلى برنامج نهج الحياة حيث نواصل الحديث في سورة الصاد المباركة و تحديدا في الايات 20 حتى 25 من.. بداية نستمع إلى تلاوة الاية العشرين من هذه السورة المباركة.

وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ﴿٢٠﴾ 

جرى الحديث في الحلقة الماضية حول النبي داوود عليه السلام الذي كانت الجبال والطيور تتناغم مع تسبيحهه لله تعالى .تواصل هذه الآية استعراض نعم الله على داود (ع)، حيث قال تعالى: (وشددنا ملكه) أي ثبّتنا وأحكمنا مملكته، بحيث كان العصاة والطغاة من أعدائه يحسبون لمملكته ألف حساب لقوّتها.وإضافة إلى هذا فقد آتيناه الحكمة والعلم والمعرفة في حسن تدبير اُمور البلاد. وقد تكون "الحكمة" أحياناً ذات جانب علمي ويعبّر عنها بـ "المعارف العالية"، واُخرى لها جانب عملي ويعبّرعنها (بالأخلاق والعمل الصالح) وقد كان لداود في جميعها باع طويل.

وآخر نعمة إلهيّة أُنعمها الله على داوود هي تمكّنه من القضاء والحكم بصورة صحيحة وعادلة (وفصل الخطاب).

نستلهم من الاية بعضا من المفاهيم والدروس منها :

  • يجب أن تبنى دعائم أية حكومة على أساس الحكمة والعدل لتحافظ على حقوق الله تعالى وحقوق الناس معا .
  • يجب أن يكون زمام الحكومة بيد الرجال الصالحين من الناس لتحظى بالطابع الشرعي .

 

أما الان أيها الاحبة نصغ إلى تلاوة مرتلة للايات 21 حتى 25 من سورة الصاد المباركة :

وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ ﴿٢١﴾

 إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ ﴿٢٢﴾ 

إِنَّ هَـٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ ﴿٢٣﴾ 

قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ ۖ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ۗ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ۩ ﴿٢٤﴾

 فَغَفَرْنَا لَهُ ذَٰلِكَ ۖ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ ﴿٢٥﴾ 

تتمّة للآيات السابقة التي استعرضت الصفات الخاصّة بداوود(ع) والنعم الإلهيّة التي أنزلها الباري عزّوجلّ عليه، يبيّن القرآن المجيد أحداث قضيّة عرضت عليه.

ففي البداية يخاطب القرآن المجيد الرّسول الأكرم (ص): (وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوّروا المحراب). كلمة (الخصم) تطلق غالبا على الطرفين المتنازعين.(تسوّروا) مشتقّة من "سور" وهو الحائط العالي الذي يبنى حول البيت أو المدينة، وتعني هذه الكلمة في الأصل القفز أو الصعود إلى الأعلى. كلمة "محراب" تعني صدر المجلس أو الغرف العليا، ولأنّها أصبحت محلا للعبادة أخذ تدريجيّاً يطلق عليها اسم المعبد. وتصطلح اليوم على المكان الذي يقف فيه إمام الجماعة لأداء صلاة الجمعة أو الجماعة، ، و قيل إن محراب المسجد، سمي محرابا لكونه مكاناً للحرب مع الشيطان وهوى النفس.على أيّة حال، فرغم أنّ داود (ع) كان محاطاً بأعداد كبيرة من الجند والحرس، إلاّ أنّ طرفي النزاع تمكّنا- من طريق غير مألوف- تسوّر جدران المحراب، والظهور أمام داود (ع) فجأةً، ففزع عند رؤيتهما، إذ دخلا عليه بدون إستئذان ومن دون إعلام مسبق، وظنّ داود (ع) أنّهما يكنّان له السوء، ففزع منهم. إلاّ أنّهما عمدا بسرعة إلى تطييب نفسه وإسكان روعه، وقالا له: لا تخف نحن متخاصمان تجاوز أحدنا على الآخر فاحكم الآن بيننا ولا تتحيّز في حكمك وأرشدنا إلى الطريق الصحيح " فاحكم بيننا بالحقّ ولا تشطط" ؛ كلمة " تشطط" تعني البعيد جدّاً، ولكون الظلم والطغيان يبعدان الإنسان كثيراً عن الحقّ، فكلمة (شطط) تعني الإبتعاد عن الحقّ. فتقدّم أحد الخصمين وطرح المشكلة على داوود، وقال: هذا أخي، يمتلك (99) نعجة، وأنا لا أمتلك إلاّ نعجة واحدة، وإنّه يصرّ عليّ أن أعطيه نعجتي ليضمّها إلى بقيّة نعاجه، وقد شدّد عليّ في القول وأغلظ ؛ هنا التفت داود (ع) إلى المدّعي قبل أن يستمع كلام الآخر وقال ما معناه من البديهي أنّه ظلمك بطلبه ضمّ نعجتك إلى نعاجه مضيفا أن هذا الأمر ليس بجديد، إذ أنّ الكثير من الأصدقاء والمخالطين يبغي بعضهم على صاحبه، إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وهم قلّة.

وقد غرق في التفكير بعد مغادرة الخصمين، فأدرك (ع) أنه كان عليه أن يتريّث في إصدار الأحكام ولا يتعجّل في إصدارها، وكان عليه أن يسأل الطرف الثاني أيضاً ثمّ يحكم بينهما، لذا ندم كثيراً على عمله هذا، وظنّ أنّما فتنه الباري عزّوجلّ بهذه الحادثة.وهنا أدركته طبيعته، وهي أنّه أوّاب، إذ طلب العفو والمغفرة من ربّه وخرّ راكعاً تائباً إلى الله العزيز الحكيم.

تعلمنا الايات دروسا كثيرة منها:

  • على الخصوم أن يطلبا من القاضي الحكم بالعدل لا أن يمارسا الضغط عليه لاستصدار الحكم لصالح أحدهما ضد الاخر.
  • إن تطبيق مبدء العدالة في المجتمع سبب لهداية الناس إلى الصراط المستقيم .
  • إن الأموال والثروات المادية لا تشبع الانسان فكلما حصل المرء على مال طلب آخر وهكذا .و قد صدق الرسول (ص) لو كان لابن آدم واديان من ذهب وفضة لابتغى الثالث.
  • إن الحكم والقضاء بحق الاخرين يحتاج إلى ثبات النفس واستقرارها وينبغي تجنب الحكم على الاخرين في غيرها من الحالات.

 

إلى هنا وتنتهي حلقة أخرى من حلقات برنامج نهج الحياة سائلين الله تعالى أن يحسن عواقب أمورنا بلطفته وكرمه و أن يلهمنا التقوى في الحكم والقضاء على الاخرين .. إلى اللقاء .

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة