بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد و اله الطيبين الطاهرين. مستمعينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته في بداية هذا اللقاء المبارك ننصت خاشعين الى تلاوة الاية الثانية والمئة من سورة الصافات المباركة..
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّـهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴿١٠٢﴾
إنتهى البحث في الآيات السابقة عند هجرة إبراهيم (ع) من بابل بعد أن أدّى رسالته هناك، وطلبه من الله أن يرزقه ولداً صالحاً، إذ لم يكن له ولد فبشره الله تعالى بأنه سيرزق طفلا ذكراً يبلغ سنّ الفتوّة و هومتصف بصفة الحلم .. فعندما بلغ الولد أي اسماعيل سن الفتوة أمرالله إبراهيم في الرؤيا بأن يذبح ابنه.
جدير بالذكر أن الانبياء قد استسلموا لأمر الله تعالى قبل أن يبعثوا رسلا و أنبياء فهم قد أيقنوا أن ما يصدر من أمر إلهي هو عين الصواب والحكمة و عليه فلا داعي لإدراك فحوى و حقيقة تلك الأوامر مع ما يحمله الإنسان من علم و استيعاب محدد ومقيد .
و لذلك فلم يشك النبي إبراهيم في ضرورة تنفيذ ما أمر به إلا أنه يصارح ولده اليافع بقضيّة الذبح، ويطلب منه إعطاء رأيه فيها، حيث جعله هنا شخصيّة مستقلّة حرّة الإرادة.
من جانبه عمد الإبن إسماعيل إلى ترسيخ عزم وتصميم والده في تنفيذ ما أمر به، إذ لم يقل له: إذبحني، وإنّما قال له: افعل ما أنت مأمور به، فإنّني مستسلم لهذا الأمر.
تزخرالاية بمعاني ومواعظ جمة نشير إلى بعض منها:
- تعتبر الرؤيا التي يراها النبي في منامه نوعا من أنواع الوحي الإلهي لذلك فلا ينبغي لغير الأنبياء التعويل على المنامات والرؤى و ترتيب الاثر عليها.
- ينبغي أن لا يكون حب الأولاد مانعا لتطبيق الأوامر الالهية والانتهاء عن نواهيه .
- إن أداء الواجب بحاجة إلى الصبر والثبات و ينبغي مواصلة الواجب مهما كلف الأمر.
والان أيها الأكارم نستمع إلى تلاوة الايات 103 حتى105 من سورة الصافات المباركة:
فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴿١٠٣﴾
وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ ﴿١٠٤﴾
قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿١٠٥﴾
عندما رأى إبراهيم (ع) درجة إستسلام ولده للأمر يوضّح القران هذا الموقف في جملة قصيرة ولكنّها مليئة بالمعاني، فيقول تعالى: (فلمّا أسلما وتلّه للجبين).بمعنى أنّه وضع جبين ولده- طبقاً لإقتراحه- على الأرض، حتّى لا تقع عيناه على وجه إبنه فتهيج عنده عاطفة الاُبوّة وتمنعه من تنفيذ الأمر الإلهي.
قام إبراهيم بتمرير السكين على رقبة ابنه اسماعيل إلا أن الله أمر السكين بأن لا تذبح و جاءه النداء أن يا إبراهيم قد صدّقت الرؤيا و قد جسدت بكل وجودك التسليم لأمر الله تعالى فالذي يستسلم تماماً وبكلّ وجوده للأمر الإلهي ويصل إلى أقصى درجات الإحسان، لا يمكن مكافأته بأقلّ من هذا.
لا شك مسمتينا الكرام أن عمليّة ذبح الإبن البارّ المطيع على يد أبيه، لا تعدّ عمليّة سهلة وبسيطة بالنسبة لأب إنتظر فترة طويلة كي يرزقه الله بهذا الإبن، فكيف يمكن إماتة قلبه تجاه ولده؟ والأكثر من ذلك إستسلامه ورضاه المطلق- من دون أي إنزعاج- لتنفيذ هذا الأمر، وتنفيذه كافّة مراحل العملية من بدايتها إلى نهايتها، بصورة لا يغفل فيها عن أي شيء من الإستعداد لعملية الذبح نفسياً وعمليّاً.و لكن الإيمان بالله تعالى يحل الكثير من الهواجس والمخاوف فحقا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون .
نستلهم من الايات دروسا ومعاني منها:
- يعتبر التسليم لأمر الله تعالى من الكمالات الروحية لدى الأنبياء والاولياء وأساسا فإن العمل المحمود هو الذي يدور في دائرة التسليم لأمر الله تعالى.
- نستشف من هذه الايات إن الأوامر الإلهية تصدر أحيانا من أجل اختبار مستوى إيمان الانسان بالله تعالى.
- لا حدود من أجل وصول الانسان إلى الكمالات المعنوية .
- أحيانا يتمكن يافع مثل اسماعيل (ع) أن يجتاز مراحل الكمال بحيث يرافق النبي كإبراهيم (ع) في بلوغه لمدارج الكمال .
- لا يقتصر الإحسان في البعد المادي بل إن التضحية بالنفس في سبيل الله يعد نوعا من الإحسان .
ها نحن مسمعينا الكرام وصلنا الى ختام حلقة اخري من سلسلة حلقات نهج الحياة كلنا امل في أن نجعل من القران الكريم نهجا مطبقاً في سيرتنا وسلوكياتنا، آمين يارب- و آخر دعوانا ان الحمدلله رب العالمين.