بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين ..السلام علي مستمعي برنامج نهج الحياة ورحمة الله وبركاته .نحن معكم لنحط رحلنا عند آيات أخرى من سورة الصافات المباركة وآيات هذه الحلقة هي 50 حتى 61. البداية مع تلاوة الايات 50 إلى 53 من هذه السورة المباركة:
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ ﴿٥٠﴾
قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ﴿٥١﴾
يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ ﴿٥٢﴾
أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ ﴿٥٣﴾
عباد الله المخلصون الذين إستعرضت الآيات السابقة النعم المادية والمعنوية التي أغدقت عليهم، كالفاكهة، والحور، وكأس المعين الذي يطاف به عليهم، والسرر المتقابلة التي يجلسون عليها، والأصدقاء الطيبين الذين يجالسونهم ويتحدّثون معهم، وفجأة- خلال جلسات سمرهم في الجنّة- يتذكّرون أصدقائهم في الدنيا، أصدقائهم الذين انفصلوا عنهم في الطريق، ولم يجدوا لهم أي أثر في الجنّة، فيسعون إلى معرفة مصيرهم. ففي الوقت الذي كانوا فيه منشغلين بالحديث والسؤال عن أحوال بعضهم البعض، (فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون).فجأةً خطر في ذهن أحدهم أمر، فالتفت إلى أصحابه قائلا: لقد كان لي صديق في الدنيا (قال قائل منهم إنّي كان لي قرين).ومع الأسف، فإنّه إنحرف عن الطريق الصحيح، وصار منكراً ليوم البعث، وكان دائماً يقول : هل تصدّق هذا الكلام وتعتقد به؟ (يقول أإنّك لمن المصدّقين).
تحفل هذه الايات بمواعظ منها:
- لا يمنع الإسلام مجالسة أفراد غير مؤمنين أو الذين ليس لهم إيمان راسخ بالمبادئ الدينية شريطة أن لا يتأثر بهم الفرد خاصة مع استطاعة الفرد على القيام بدعوة هؤلاء إلى الدين والصراط المستقيم أو الرد على شبهاتهم .
- يفقتد المكذبون بيوم الدين لأي دليل عقلي أو تجربي على ما يكذبونه وكل ما لديهم ليس إلا التكذيب واستحالة حدوث يوم القيامة
- يتذكر الإنسان في القيامة ما حدث له في الدنيا و هو يتحاور بشانها مع رفقاءه في الجنة .
والان ننصت خاشعين إلى تلاوة الايات 54 حتى 57 من سورة الصافات:
قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ ﴿٥٤﴾
فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ ﴿٥٥﴾
قَالَ تَاللَّـهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ ﴿٥٦﴾
وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴿٥٧﴾
في هذه الايات يخاطب المؤمن أقرانه من أهل الجنّة الذين كان يتحدث إليهم ، بالقول: ليتني أعرف أين صديقي الآن؟ وفي أيّة ظروف يعيش؟ .. ويضيف: أيّها الأصدقاء، هل تستطيعون البحث عنه، ومعرفة حاله، (قال هل أنتم مطّلعون).
وأثناء بحثه عن قرينه وصديقه ينظر إلى جهنّم، ويرى فجأةً صديقه وسط جهنّم (فاطّلع فرآه في سواء الجحيم).أي في وسط النار فيخاطبه قائلا: أقسم بالله لقد كدت أن تهلكني وتسقطني فيما سقطت فيه (قال تالله إن كدت لتردين). ولولا التوفيق الإلهي الذي كان رفيق دربي، ولطف هدايته الذي كان الموجّه لي لكنت الان معك في جهنم .(ولولا نعمة ربّي لكنت من المحضرين).
نستلهم من الايات دروسا وعبرا نذكر منها:
- استلهاما من الايات القرانية فإن أصحاب الجنة مشرفون على أهل النار وهم يتطلعون على أخبارهم واحوالهم .
- لا إشكال في مجالسة المنكرين للدين فيما لو لم يتأثر بهم الانسان . و في الوقت نفسه فإن الرفقة مع هؤلاء أمر خطير إن لم تشمل الإنسان رأفة الله ورحمته لأن التأثر بحديثهم أمر سهل الأمر الذي يسبب في دخول الانسان إلى جهنم وأن يحشر مع رفقاه السوء .
و الان نستمع إلى تلاوة الاية 58 حتى 61 من سورة الصافات المباركة:
أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ ﴿٥٨﴾
إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴿٥٩﴾
إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿٦٠﴾
لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ﴿٦١﴾
وهنا يلقي هذا الفرد نظرة اُخرى إلى صديقه في جهنّم، ويقول له موبّخاً إيّاه: ألم تكن أنت القائل لي في الدنيا بأنّنا لا نموت (أفما نحن بميّتين) سوى مرّة واحدة في الدنيا، وبعدها لا حياة اُخرى ولا عذاب الآن انظر ولاحظ الخطأ الكبير الذي وقعت فيه! فبعد الموت كانت هذه الحياة وهكذا ثواب وعقاب (إنّ هذا لهو الفوز العظيم).
(لمثل هذا فليعمل العاملون) أي لمثل هذا فليعمل الناس، ومن أجل نيل هذه النعم فليسع الساعون.و إلى بعض من تعاليم هذه الايات:
- لا يرى أصحاب الجنة الموت والانعدام ،إلا أن أصحاب النار لا لا يموتون من شدة العذاب بل يعيشون فيها ليعذبوا .
- تتجسد السعادة الحقيقية في حفاظ الانسان على نفسه في البيئات الفاسدة من الانحراف والانجرار وراء ما سوى الله تعالى.
في نهاية هذا البرنامج نشكركم على طيب متابعتكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .