الخطبة ۱٦: من كلام له عليه السلام لما بويع بالمدينة وفيها يخبر الناس بعلمه بما تؤول إليه أحوالهم وفيها يقسمهم في أقسام
ذِمَّتي بِمَا أَقُولُ رَهِينَةٌ، وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ، إِنَّ مَنْ صَرَّحَتْ لَهُ العِبَرُ، عَمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ المَثُلاتِ، حَجَزَتْهُ التَّقْوَى عَنْ تَقَحُّمِ الشُّبُهَاتِ، أَلاَ وَإِنَّ بَلِيَّتَكُمْ قَدْ عَادَتْ كَهَيْئَتِهَا، يَوْمَ بَعَثَ اللهُ نَبِيَّهُ صَلََّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمْ، وَالَّذِي بَعَثَهُ بِالحَقِّ لَتُبَلْبَلُنَّ بَلْبَلَةً، وَلَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبَلَةً، وَلَتُسَاطُنَّ سَوْطَ القِدْرِ، حَتَّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلاَكُمْ، وَأَعْلاَكُمْ أَسْفَلَكُمْ، وَلَيَسْبِقَنَّ سَابِقُونَ كَانُوا قَصَّرُوا، وَلَيُقَصِّرَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا سَبَقُوا،
وَاللهِ مَا كَتَمْتُ وَشْمَةً، وَلا كَذَبْتُ كِذْبَةً، وَلَقَدْ نُبِّئْتُ بِهذا المَقامِ وَهذَا اليَوْمِ، أَلاَ وَإِنَّ الخَطَايَا خَيْلٌ شُمُسٌ حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُها، وَخُلِعَتْ لُجُمُهَا، فَتَقَحَّمَتْ بِهِمْ في النَّارِ، أَلاَ وَإِنَّ التَّقْوَى مَطَايَا ذُلُلٌ، حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا، وَأُعْطُوا أَزِمَّتَها، فَأَوْرَدَتْهُمُ الجَنَّةَ، حَقٌّ وَبَاطِلٌ، وَلِكُلٍّ أَهْلٌ، فَلَئِنْ أَمِرَ البَاطِلُ لَقَدِيماً فَعَلَ، وَلَئِنْ قَلَّ الحقُّ فَلَرُبَّما وَلَعَلَّ، وَلَقَلَّمَا أَدْبَرَ شَيءٌ فَأَقْبَلَ.
من هذه الخطبة وفيها يقسّم الناس إلى ثلاثة أصناف:
شُغِلَ مَنِ الجَنَّةُ وَالنَّارُ أَمَامَهُ، سَاع سَرِيعٌ نَجَا، وَطَالِبٌ بَطِيءٌ رَجَا، وَمُقَصِّرٌ في النَّارِ هَوَى، الَيمِينُ وَالشِّمالُ مَضَلَّةٌ، وَالطَّرِيقُ الوُسْطَى هِيَ الجَادَّةُ، عَلَيْهَا بَاقي الكِتَابِ وَآثَارُ النُّبُوَّةِ، وَمِنْهَا مَنْفَذُ السُّنَّةِ، وَإلَيْهَا مَصِيرُ العَاقِبَةِ، هَلَكَ مَنِ ادَّعى، وَخَابَ مَنِ افْتَرَى، مَنْ أَبْدَى صَفْحَتَهُ لِلْحَقِّ هَلَكَ، وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلاً، أَلاَّ يَعْرِفَ قَدْرَهُ، لاَيَهْلِكُ عَلَى التَّقْوَى سِنْخُ أَصْلٍ، وَلاَ يَظْمَأُ عَلَيْهَا زَرْعُ قَوْم، فَاسْتَتِرُوا بِبُيُوتِكُمْ، وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بَيْنِكُمْ، وَالتَّوْبَةُ مِنْ وَرَائِكُمْ، وَلاَ يَحْمَدْ حَامِدٌ إِلاَّ رَبَّهُ، وَلاَ يَلُمْ لاَئِمٌ إِلاَّ نَفْسَهُ.