بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين .. السلام عليكم مستمعينا الكرام ورحمة الله وبركاته .. نواصل الحديث في الايات 42 حتى 44 من سورة فاطر المباركة إبتداء بالانصات إلى تلاوة الايتين 42 و43 منها:
وَأَقْسَمُوا بِاللَّـهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا ﴿٤٢﴾
اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّـهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّـهِ تَحْوِيلًا ﴿٤٣﴾
جاءت في أسباب النزول أنه بلغ قريشاً قبل مبعث رسول الله (ص) أنّ أهل الكتاب كذّبوا رسلهم فقالوا: لعن الله اليهود والنصارى أتتهم الرسل فكذّبوهم ، فوالله لئن أتانا رسول لنكوننّ أهدى من إحدى الاُمم". فلّما أشرقت شمس الإسلام من اُفق بلادهم، وجاءهم النّبي (ص) بالكتاب السماوي، رفضوا، بل كذّبوا، وحاربوا، ومارسوا أنواع المكر والخديعة. فنزلت الآيات أعلاه تلومهم وتوبّخهم على إدّعاءاتهم الفارغة.
أيها الأكارم عندما طالع الكفار والمشركون صفحات التأريخ، واطّلعوا على عدم وفاء وعدم شكر تلك الأقوام وجناياتهم بالنسبة إلى أنبيائهم وخصوصاً اليهود، تعجّبوا كثيراً وادّعوا لأنفسهم الإدّعاءات وتفاخروا على هؤلاء بأن يكون حالهم أفضل منهم ، ولكن بمجرّد أن واجهوا محكّ التجربة، ودخلوا كورة الإمتحان المشتعلة، وتحقّق طلبهم ببعثة نبيّ منهم، تبيّن أنّهم من نفس تلك الطينة، حيث أشار القرآن إلى ذلك بعد تلك الجملة الاُولى من الآية بالقول: (فلمّا جاءهم نذير ما زادهم إلاّ نفوراً).إنّ ابتعاد المشركين عن الحق هو بسبب سلوكهم طريق الإستكبار في الأرض، بحيث لم يخضعوا لمنطق الحقّ ولأنّهم كانوا يحتالون ويسيئون ويمكرون ولكن (لا يحيق المكر السيء إلاّ بأهله).
ختام الآية تهديد لتلك المجموعة المستكبرة الماكرة بجملة عميقة المعنى وبكلمات تهزّ المشاعر، يقول تعالى: (فهل ينظرون إلاّ سنّة الأوّلين) هذه الجملة القصيرة تشير إلى جميع المصائر المشؤومة التي أحاقت بالأقوام السالفة كقوم نوح، وعاد، وثمود، وقوم فرعون، حيث أصاب كلا منهم بلاء عظيم، والقرآن الكريم أشار مراراً إلى جوانب من مصائر هؤلاء الأقوام المشؤومة والأليمة. مصائر تكون ضمن السنة الالهية التي لا تتبدل ولا تتحول أبدا .
نستلهم من الايتين بعض المعاني نشير إلى بعض منها:
- لا يمكن التعويل على جميع الأيمان والأحلاف
- إن من حاجات البشر الإنذار كي لا يغفل عن ذكر الله تعالى .
- إن أغلب حالات الكفر ليست عن الجهل والغفلة بل إنها ناجمة عن التكبر والاستعلاء على الحق .
- انّ الإحتيال قد يؤدّي- مؤقتاً- إلى الإحاطة بالآخرين، ولكنّه في النهاية يعود على صاحبه ليفضحه.
والان ننصت إلى تلاوة الاية 44 من سورة فاطر المباركة :
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۚ وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ﴿٤٤﴾
تدعو الاية المشركين والمجرمين إلى مطالعة آثار الماضين والمصير الذي وصلوا إليه، حتّى يروا بأُمّ أعينهم آثارهم ومواطنهم السابقة. فإذا كانوا يتصوّرون أنّهم أشدّ قوّة من اُولئك فهم على خطئ عظيم لأنّ الأقوام السالفة كانت أقوى منهم .
فالفراعنة الذين حكموا مصر، ونمرود الذي حكم بابل ودولا اُخرى بمنتهى القدرة، كانوا أقوياء إلى درجة لا يمكن قياسها مع قوّة مشركي مكّة.
و الحقسيقة هي أن الإنسان مهما بلغ من القوّة والقدرة، فإنّ قدرته وقوّته لا شيء إزاء قوّة الله، لماذا؟ لأنّه الله تعالى ما كان ليعجزه من شيء في السموات ولا في الأرض)
تعلمنا الاية دروسا وموعظ منها:
- إن القران يرشدنا إلى ضرورة السفر في الأرض ومشاهدة ما حل بالأقوام السابقة نتيجة نكرانهم للحقائق الساطعة .
- الأية تشير ضمنيا إلى ضرورة الحفاظ على الآثار القديمة المتبقية من الحضارات الماضية لمطالعتها والاتعاظ بها .
- يجب على المؤمن أن لا ينخدع بالأموال الطائلة التي يتمتع بها الكفار والمشركون فالعاقبة هي الأهم والأولى .
- علينا أن لا نغتر بقدراتنا وإمكانيات أمام قدرة الله تعالى .
الأكارم انتهت هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة نلقاكم باذن الله في الحلقة القادمة والسلام عليكم .