بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة على رسول الله واهل بيته الكرام .. يسرنا أن نلقاكم مجددا عبر برنامج نهج الحياة حيث نواصل التدبر في الايات 39 حتى 41 من سورة فاطر المباركة .. كالعادة ندعوكم في البداية إلى استماع الأية 39 من هذه السورة المباركة :
هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ۖ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا ۖ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا ﴿٣٩﴾
مستمعينا الكرام تؤكد الاية بادئ ذي بدء على مسألة خلافة الإنسان في الأرض وقد انقسم المفسرون بشأنها إلى قسمين فهناك من فسرها بالخلافة الإلهية التي يحملها الإنسان و هناك من فسرها بأقوام جديدة يخلفون ما قبلهم من الأقوام .. و في كلا الحالتين تشير الأية إلى رأفة الله تعالى بالعباد بحيث سخر لهم الأرض ومواهبها الطبيعية و إذا أرادوا أن يرضخوا لحكم العقل فإن عليهم أن يعرفوا نعم الله ويشكروه عليها ولكن الواقع غير هذا فكثير من الناس لا يعرفون الله تعالى ولا يشكرونه .
إنّ الكفر بالله تعالى سوف لن يزيد الظالمين إلاّ خسارة وضرراً بإتلافهم رأس مالهم المتمثّل بأعمارهم ووجودهم، وشرائهم للشقاء والإنحطاط والظلمة، وأي خسارة أكثر من هذه . الأمر الذي يستتبعه الغضب الإلهي و هو ليس بمعنى الغضب الذي يحصل للإنسان، لأنّ هذا النوع عبارة عن نوع من الهيجان والإنفعال الداخلي الذي يكون سبباً في صدور أفعال حادّة وخشنة، بدافع الإنتقام أو دفع خطر، وأمّا بالنسبة إلى الله سبحانه وتعالى فإن غضبه بمعنى رفع الرحمة ومنع اللطف الإلهي من اُولئك الذين ارتكبوا السيّئات.
نتعلم من الأية بعضا من الدروس منها:
- على الإنسان أن لا يغتر بما يملكه اليوم ، فما هو بين يديه الان كان بيد الأقوام الماضية التي رحلت عن الدنيا .
- إن الآثار المترتبة والتدعيات الخطيرة لمسألة الكفر ليست محددة بل إنها تداعيات تزداد يوما بعد آخر .
- إن الكفر يمهد لارتكاب المزيد من الذنوب والاثام و يجعل الانسان على حافة الانهيار والسقوط في بؤرة الضياع والهلاك .
و الان أيها الأكارم نستمع إلى تلاوة الاية 40 من سورة فاطر المباركة:
قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَىٰ بَيِّنَتٍ مِّنْهُ ۚ بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا ﴿٤٠﴾
هذه الآية ترد على المشركين بجواب قاطع حازم، وتذكّرهم بأنّ الإنسان إذا اتّبع أمراً أو تعلّق بأمر، فيجب أن يكون ذلك على أساس عقلي أو دليل نقلي ثابت، وأنتم أيّها الكفّار لا تملكون أيّاً من الدليلين وليس لديكم سوى المكر والغرور.
فتقول الآية الكريمة: (قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات) فهل خلقوا شيئاً في الأرض. أم شاركوا الله في خلق السماوات؟!و عليه فما هو سبب عبادتكم لها..والآن بعد أن ثبت أنّكم لا تملكون دليلا عقلياً على ادّعائكم، فهل لديكم دليل نقلي؟و هذا ما يشير إليه قوله تعالى :(أم آتيناهم كتاباً فهم على بيّنة منه).كلاّ، فليس لديهم أي دليل أو بيّنة أو برهان واضح من الكتب الإلهية، إذاً فليس لديهم سوى المكر والخديعة (بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضاً إلاّ غروراً(.
ترشدنا الاية إلى تعاليم نذكر منها:
- إن إيقاظ الضمائر من خلال إثارة الأسألة الواضحة هو أحد الطرق و الاساليب للدعوة إلى الاسلام .
- إن الكفر والشرك بالله تعالى ليس لهما أي أساس من المنطق والعلم بل إنهما على أساس من الأفكار الباطلة والخديعة .
- إن الكفر والشرك بالله تعالى هو من مصاديق الظلم بالنفس لأن الكافر أو المشرك هما الذان يتضرران منهما .
أيها الأحبة دعونا نستمع إلى تلاوة الأية 41 من سورة فاطر المباركة:
إِنَّ اللَّـهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ۚ وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ ۚ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴿٤١﴾
تنتقل هذه الآية إلى الحديث عن حاكمية الله سبحانه وتعالى على مجموعة السماوات والأرض، وفي الحقيقة فإنّها تنتقل إلى إثبات توحيد الخالقية والربوبية بعد نفي شراكة أي من المعبودات الوهمية في عالم الوجود فتقول: (إنّ الله يمسك السموات والأرض أن تزولا). فليس بدء الخلق- فقط- مرتبطاً بالله، فإنّ حفظ وتدبير الخلق مرتبط بقدرته أيضاً، بل إنّ الخلق له في كلّ لحظة خلق جديد، وفيض الوجود يغمر الخلق لحظة بعد اُخرى من مبدأ الفيض. ولو قطعت الرابطة بين الخلق وبين ذلك المبدأ العظيم الفيّاض، فليس إلاّ العدم والفناء.
نتعلم من الأية دروسا منها:
- إن مكان السموات والأرض و حركتهما في مدارهما خاضع للإرادة الإلهية و هو الذي يمسكهما في كل آن .
- إن النظام الحاكم في عالم الوجود هو من عند الله تعالى و لم يتحقق صدفة .
- إن الخالق هو المدبر لشؤون الخلق و جميع الظواهر الطبيعية التي تحدث في الكون لا تكون خارجة عن إرادته بل انه تعالى يفعل بها ما يشاء .
- الله الذي يحفظ العالم و يدبر شؤونه إنما يمهل الكفار إنطلاقا من حلمه ورافته برجوع عباده توبتهم فلا يكون الإمهال الالهي بدافع العجز أو الخوف .
ايها الأكارم وصلنا إلى ختام هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة حتى نلتقيكم في حلقة أخرى نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .