بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته معكم أيها الأحبة ضمن حلقة جديدة من برنامج نهج الحياة لنواصل الحديث في الايات 31 حتى 35 من سورة فاطر المباركة .. بداية نصغي إلى تلاوة مرتلة للايتين 31 و32 من هذه السورة المباركة:
وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ۗ إِنَّ اللَّـهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ ﴿٣١﴾
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّـهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴿٣٢﴾
بعد أن كان الحديث في الآيات السابقة عن المؤمنين المخلصين الذين يتلون الكتاب الإلهي ويطبّقون وصاياه، تتحدّث هاتان الايتان عن ذلك الكتاب السماوي وأدلّة حقّانيّته، وكذلك عن الحملة الحقيقيين لذلك الكتاب، وبذا يستكمل الحديث الذي افتتحته الآيات السابقة حول التوحيد، بالبحث الذي تثيره هذه الآيات حول النبوّة.
تقول الآية الكريمة: (والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحقّ). و (الحقّ) يعني كلّ ما ينطبق مع الواقع وينسجم معه، فإنّ هذا التعبير دليل على إثبات أنّ هذا الكتاب السماوي نازل من الله تعالى، لأنّنا كلّما دقّقنا النظر في هذا الكتاب السماوي وجدناه أكثر إنسجاماً مع الواقع. فليس فيه تناقض، أو كذب أو خرافة، بل إن مبادئه ومعارفه تنسجم مع منطق العقل. وأما الآية التّالية تتحدّث عن موضوع مهم بالنسبة إلى حملة هذا الكتاب السماوي العظيم، اُولئك الذين رفعوا مشعل القرآن الكريم بعد نزوله على الرّسول الأكرم(ص)، في زمانه وبعده على مرّ القرون والعصور، وهم يحفظونه ويحرسونه، فتقول: (ثمّ أورثنا للكتاب الذين اصطفينا من عباده).
واضح أنّ المقصود من "الكتاب" هنا، هو "القرآن الكريم" فالله سبحانه وتعالى قد أوكل مهمّة حفظ هذا الكتاب السماوي، بعد الرّسول الأكرم (ص) إلى هذه الاُمّة، التي إصطفاها الله سبحانه، غير أنّ في تلك الاُمّة مجاميع مختلفة: بعضهم قصّروا في وظيفتهم العظيمة في حفظ هذا الكتاب والعمل بأحكامه، وفي الحقيقة ظلموا أنفسهم. ومجموعة اُخرى، أدّت وظيفتها في الحفظ والعمل بالأحكام إلى حدّ كبير، وإن كان عملها لا يخلو من بعض الزلاّت والتقصيرات أيضاً، وهؤلاء مصداق "مقتصد".وأخيراً مجموعة ممتازة، أنجزت وظائفها العظيمة بأحسن وجه، وسبقوا الجميع في ميدان الإستباق، والذين أشارت إليهم الآية بقولها: (سابق بالخيرات بإذن الله).
نستلهم من الايتين مواعظ ودروسا منها:
- إن كل ما جاء في القران الكريم هو حق فلا يخطر ببال أحد أن القران يحتوي على الأساطير أو الكلام الباطل .
- إن جميع الانبياء والكتب السماوية تهدف إلى شئ واحد وهو السعادة البشرية في الدنيا والاخرة .
- إن الابتعاد عن القيم والتعاليم القرانية مصداق بارز لظلم النفس .
- إن الذين ورثوا القران هم الذين يستبقون الاخرين في فعل الخيرات والبر بالناس .
والان نستمع إلى تلاوة الايات 33 إلى 35 من سورة فاطر المباركة:
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا ۖ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ﴿٣٣﴾
وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ۖ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴿٣٤﴾
الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ﴿٣٥﴾
هذه الآيات في الحقيقة نتيجة لما ورد ذكره في الآيات الماضية، يقول تعالى: (جنّات عدن يدخلونها) و هو تعبير يشير إلى أنّ نعم الجنّة العظيمة خالدة وثابتة، وليست كنعم الدنيا ممزوجة بالقلق الناجم عن زوالها وعدم دوامها، وأهل الجنّة ليست لهم جنّة واحدة، بل جنّات متعدّدة تحت تصرّفهم.
ثمّ تشير الآية إلى ثلاثة أنواع من نعم الجنّة، بعضها إشارة إلى جانب مادّي وبعضها الآخرإلى جانب معنوي وباطني، وبعض أيضاً يشير إلى عدم وجود أي نوع من المعوّقات، فتقول الآية: (يحلّون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير).
فهؤلاء يحمدون الله بعد أن أصبحت تلك النعمة العظيمة من نصيبهم، وتلاشت عن حياتهم جميع عوامل الغمّ والحسرة ببركة اللطف الإلهي، وتبدّدت سحب الهمّ المظلمة عن سماء أرواحهم، فلا خوف من عذاب إلهي، ولا وحشة من موت وفناء، ولا قلق، ولا أذى الماكرين، ولا اضطهاد الجبابرة القساة الغاصبين.
تعلمنا الأيات دروسا عدة نشير إلى بعضها:
- إن الامتناع عن اللذات الدنيوية طاعة لأمر الله تعالى يستتبع الخلود في جنات عدن ونعيم أبدي أعده الله تعالى .
- خلافا لظروف الدنيا التي يعيش المترفون فيها الرخاء المادي دون المعنوي فإن أصحاب الجنة يتنعمون بالسعادة النفسية والروحية والجسدية معا .
- إن الله تعالى بعظمته وكبريائه يشكر عباده مقابل ما قدموه من صالح الأعمال الأمر الذي يحتم علينا التخلق بهذا الخلق الالهي فنشكر الأخرين على ما قدموه من عمل .
- يعتقد أصحاب الجنة أن النعيم الأخروي الذي وجدوه في الاخرة أنه لم يكن بسبب أعمالهم الصالحة بل إنه بفضل الله عزوجل .
ايها الأحبة ها نحن وصلنا إلى ختام هذه الحلقة من سلسلة حلقات برنامج نهج الحياة استمتعم له من طهران صوت ... نشكر لكم طيب المتابعة حتى الملتقى نستودعكم الله تعالى.