بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد واله الطاهرين . أيها الأكارم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كل الترحيب بحضراتكم وانتم برفقة حلقة أخرى من نهج الحياة حيث نواصل وقفتنا عند الأيات 18 إلى 21 من سورة فاطر المباركة .والبداية مع تلاوة الاية 18 منها ننصت خاشعين:
وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۗ إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ ۚ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ ۚ وَإِلَى اللَّـهِ الْمَصِيرُ ﴿١٨﴾
تشير هذه الاية إلى أحد المبادئ التي يعتقد بها المسلمون ألا و هو العدل الإلهي والحقيقة هي: أنّها ترتبط من جانب بالعدل الإلهي، بحيث تؤكد الاية أن كل نفس مرتهنة بما تصدر منها من أفعال وسلوكيات والله تعالى إنّما يثيب الشخص على سعيه وإجتهاده في طريق الخير، ويعاقبه على ذنبه. ومن جانب آخر فإنّ فيها إشارة إلى شدّة العقوبة يوم القيامة، بحيث لا يكون أحد مستعدّاً لتحمّل وزر عمل غيره مهما كان قريباً منه.
والإلتفات إلى هذا المعنى له الأثر الفعّال في البناء الروحي للإنسان، حيث يكون مراقباً لنفسه، ولا يسمح لها بالفساد بحجّة فساد الأقران أو المحيط، ففساد المحيط لا يمكن إعتباره مسوغاً لإفساد النفس، فكل واحد يحمل وزر ذنبه بنفسه. ولا شك أن الفرد لو كانت له حصة في سن سنّة سيئة أو أعان أو شجع عليها فمن المسلّم أنّه يُحسب من عمله ويكون شريكاً ومساهماً في إثم من عمل بها إلى يوم القيامة و قد جاءت في الأحاديث أن : "من سنّ سنّة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجره شيء، ومن سنّ سنّة سيّئة كان له وزرها ووزر من عمل بها".
العبارة الثالثة من هذه الآية، ترفع الستارعن حقيقة أنّ إنذارات الرّسول (ص) لها أثرها في القلوب المهيّأة لذلك فقط، تقول الآية الكريمة: (إنّما تنذر الذين يخشون ربّهم بالغيب وأقاموا الصلاة).فإن لم يكن القلوب تخشع الله ، ولم يكن هناك إحساس بمراقبة قوّة غيبية في السرّ أو العلن، ولم تنفع الصلاة التي تؤدّي إلى إحياء القلب والتذكير بالله في تقوية ذلك الإحساس ... فلن يكون لإنذارات الأنبياء (ع) أثر يذكر.
نستلهم من الاية بعضا من المفاهيم:
- إن حقيقة الذنوب والمعاصي يوم القيامة هي أوزار تثقل كاهل الإنسان .
- على الإنسان أن لا ينخدع بأقوال المحرضين على المعاصي الذين يقولون : لا تخافوا من ارتكاب المعاصي فنحن نتحمل وزر الذنوب بدلا عنكم .
- الكل يتحمل بنفسه مسؤولية الأعمال التي تصدر منه ولا يمكن إيكال المسؤولية على عاتق الاخرين .
- إن قمنا بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلانحاسب يوم القيامة على سيئات الأخرين.
- كل فرد رهن بعمله و ليس للعلاقات الرحمية أي تأثير في يوم القيامة على مصير الانسان .
والان نستمع إلى تلاوة الايات 19 إلى 21 من سورة فاطر:
وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ ﴿١٩﴾
وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ ﴿٢٠﴾
وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ ﴿٢١﴾
تذكر هذه الآيات أمثلة تقرب للذهن حالات المؤمن والكافر و هي توضّح بأجلى شكل آثار الإيمان والكفر. في المثال الأوّل: تشبّه الاية "الكافر والمؤمن" بـ "الأعمى والبصير" حيث تقول الآية الكريمة: (وما يستوي الأعمى والبصير).
فالإيمان نور وإشراق، يعطي البصيرة والمعرفة للإنسان في النظرة إلى العالم، وفي الإعتقاد والعمل وفي كلّ الحياة، أمّا الكفر فظلمة كالحة، فلا اعتقاد صحيح ولانظرة سليمة عن العالم، ولا عمل صالح .
ثمّ تضيف الآية (ولا الظلّ ولا الحرور) فالمؤمن يستظلّ في ظلّ إيمانه بهدوء وأمن وأمان، أمّا الكافر فبسبب كفره يحترق بالعذاب الأليم .
ويقول "الزمخشري" في الكشّاف: "السموم يكون بالنهار، والحرور بالليل والنهار، وقيل بالليل خاصّة"، على أيّة حال، فأين الحرور من الظلّ البارد المنعش الذي يبعث الإرتياح في روح وجسم الإنسان.
و إلى بعض من تعاليم هذه الايات:
- المؤمنون أصحاب القلوب النابضة ولهم الحياة الحقيقية . فالإيمان سبب لحياة الفرد والمجتمع والكفر سبب لموت الفرد والمجتمع .
- الظلام منشأ الضلال، الظلام سبب السكون والركود، الظلام مسبّب لكلّ أنواع المخاطر، أمّا النور والضياء فهو منشأ الحياة والمعيشة والحركة والرشد والنمو والتكامل .
- الإيمان نوع من الإحساس والنظرة الباطنية، ونوع من العلم والمعرفة مع عقيدة قلبية وحركة، ونوع من التصديق الذي ينفذ في أعماق روح الإنسان ليكون ممصدرا لكلّ الفعّاليات البنّاءة . أمّا الكفر، فجهل وتكذيب يؤدّي إلى تبلّد، بل إلى فقدان الإحساس بالمسؤولية، كما يؤدّي إلى كلّ أنواع الحركات الشيطانية والتخريبية.
أيها الأحبة انتهت هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة ,, نلقاكم بإذن الله في الحلقة القادمة من هذا البرنامج .. نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .