بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد واله الطاهرين ..حياكم الله وأهلا بكم إلى نهج الحياة إذ نواصل الشرح الميسر للايتين 12 و13 من سورة فاطر المباركة .في البداية ننصت خاشعين إلى تلاوة الاية 12 من سورة فاطر المباركة:
وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ۖ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ۖ وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿١٢﴾
تحدثنا في الحلقة الماضية حول قدرة الله وعظمته في خلق الكائنات وتحديدا الإنسان
لتشيرهذه الاية إلى إحدى الايات الالهية في الطبيعة والتي تعتبر من ايات الآفاق الدالّة على عظمته وقدرته سبحانه وتعالى. تشير الاية إلى خلق البحار وبركاتها وفوائدها، فتقول: (وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح اُجاج). فمع أنّ كلا البحرين في الأصل كانا بصورة قطرات من الماء الصافي والسائغ نزلت من السماء إلى الأرض، وأنّ كليهما من أصل واحد، إلاّ أنّهما يظهران على شكلين متفاوتين تماماً بشكل كامل وبفوائد متفاوتة أيضاً.
والعجيب أنّ الإنسان يحصل على السمك الطازج من كلّ منهما: (ومن كلّ تأكلون لحماً طريّاً وتستخرجون حلية تلبسونها) إن الخيرات والثروات المائية لا تغني الساكنين في شواطئ البحار بل إنها تعتبر خيرا وبركة للاخرين أيضا
يعد صيد الأسماك واستخراج مواد الزينة والملاحة البحرية بركات تحصل بجهد الانسان سعيه . و في البحر بركات كثيرة منها الغيوم التي تتشكل نتيجة تبخر مياهه لتخفيف جفاف الهواء ببخاره واحتضانه لأنواع الكائنات الحية .
هذا بالاضافة إلى إمكانية الإفادة من كلا البحرين في مجال الشحن و النقل والسفر .. كما تقول الاية (وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلّكم تشكرون).
وإلى بعض من التعاليم التي تحفل بها الاية المباركة :
- تشهد حياة الإنسان تارة محطات سارة عذبة وتارة أخرى مواقف محزنة تعكر الصفو ففي حال المرور على المواقف الصعبة والمحزنة على الإنسان أن يستذكر صفو الحياة و رخائها وهذا ما يعلمنا الأسلوب القراني في الحديث عن البحار ، فهناك بحر عذب وهناك بحر مالح ولكن مع أن البحار فيها ملوحة كثيرة و لكن القران يعلمنا أن نذكر الماء العذب أولا.
- إن البحار تمثل مصدر خير وبركة للإنسان من حيث الطعام والملبس و الزينة والمركب .
- إن الإنسان سيصل إلى رزقه و ما ادخره الله تعالى له من خلال السعي والجهد .
والان أيها الأكارم نستمع إلى تلاوة الاية 13 من سورة فاطر المباركة:
يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّـهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ ۚ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ ﴿١٣﴾
تعود هذه الآية للاشارة إلى قسم آخر من آيات التوحيد والنعم الإلهية اللامتناهية، لكي تدفع الإنسان مع تعريفه بتلك النعم إلى شكرها ومعرفة المعبود الحقيقي، وليرجع عن أيّ شرك أو عبادة خرافية، يقول تعالى: (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل). أي يدخل أحدهما في الآخر بالزيادة والنقصان اذ يمكن أن يكون إشارة إلى أحد المعنيين أو كليهما، أي: الزيادة والنقص التدريجي في الليل والنهار على مدار السنة. ممّا يؤدّي إلى حصول الفصول المختلفة بكلّ آثارها وبركاتها، أو الإنتقال التدريجي من الليل إلى النهار وبالعكس، وذلك بواسطة الشفق والغسق الذي يقلّل من مخاطر الإنتقال المفاجىء من النور إلى الظلام وبالعكس.
ثمّ تشير الاية المباركة إلى مسألة تسخير الشمس والقمر فيقول تعالى: (وسخّر الشمس والقمر). تسخيرا من شأنه حركة هذين الكوكبين باتّجاه تحقيق المنافع المختلفة للبشر، تسخيرا يعتبر مصدراً لمختلف أنواع البركات في حياة البشر، فإنّ السحاب والرياح والقمر والشمس والأفلاك في حركة دائبة لكي يواصل الإنسان حياته، وليفيق من غفلته فيذكر الواهب الأصلي لهذه النعم والعطايا .
بالرغم من دقة حركة الشمس والقمر في مدارهما حركة ًمنتظمة تأتي بالمنافع والنعم الجمة للبشر ؛ فإنّ النظام الذي يحكمهما ليس بخالد، فحتّى هذه السيارات و الكواكب العظيمة بكلّ ما لها من اشراق وعظمة الا انها ستصيبها العتمة و الزوال في النهاية وستتوقّف عن العمل. لذا يشير تعالى إلى ذلك بعد ذكر التسخير فيقول: (كلّ يجري لأجل مسمّى). فبمجرد انتهاء اجلها فإنّها جميعاً ستواجه مصير الإنطفاء والفناء.
ثمّ يقول تعالى مسلّطاً الضوء على نتيجة هذا البحث التوحيدي (ذلكم الله ربّكم) هو الذي قرّر نظام النوم والظلام والحركات الدقيقة للشمس والقمر . (له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير). مفردة "قطمير": على ما يقول الراغب: هو الأثر في ظهر النواة، وذلك مثل للشيء الطفيف، و قيل هو الغشاء الرقيق الشفّاف الذي يغلف نواة التمر بكاملها. وعلى كلّ حال فهو كناية عن موجودات حقيرة تافهة.
نعم فهذه الأصنام لا تضرّ ولا تنفع، لا تدفع حتّى عن نفسها، لا تحكم ولا تملك حتّى غلاف نواة تمر! فإذا كانت حالها كذلك، فكيف تعبدونها وتريدون منها حلا لمشكلاتكم.
ترشدنا الاية إلى دروس وعبرمنها:
- إن قوانين الطبيعة تم سنها وتحديدها بحسب التدبير الالهي وتحت إشرافه وإرادته و كلها يجري إلى وقت محدد معلوم .
- مادام الكون هو تحت إرادة الله وتدبيره وحكمته فينبغي أن يلجأ الناس إليه و لا مبرر للتوجه إلى غير الله تعالى .
ايها الأكارم انتهت هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة شكرا للمتابعة والسلام عليكم .