البث المباشر

تفسير موجز للآيات 7 الى 8 من سورة فاطر

السبت 17 أغسطس 2024 - 13:16 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: الحلقة 789

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة على رسول الله واهل بيته الكرام .. يسرنا أن نلقاكم مجددا عبر برنامج نهج الحياة حيث نواصل التدبر في الايتين 7و8 من سورة فاطر المباركة .. ندعوكم في البداية إلى استماع الأية 7 من هذه السورة المباركة:

الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴿٧﴾

جري الحديث في الحلقة الماضية عن الشيطان وكيف أنه يوقع بالانسان في مزالق التيه والضلال و الانحراف . هذه الأية توضّح عاقبة فئتين هما "حزب الله" السعيدة وخاتمة "حزب الشيطان" المريرة، فتقول: (الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير).

من الجدير بالملاحظة أنّ القرآن الكريم اكتفى بذكر "الكفر" كسبب لإستحقاق العذاب، ولكنّه لم يكتف بذكر (الإيمان) وحده كسبب "للمغفرة والأجر الكبير" بل أردف مضيفاً له "العمل الصالح". لأنّ الكفر وحده يكفي للخلود في عذاب السعير، بينما الإيمان دون العمل الصالح لا يكفي لتحقيق النجاة، فإنّهما مقترنان.

وقد ورد في الآية ذكر (المغفرة) ثمّ ذكر "الأجر الكبير" بعدها، باعتبار أنّ (المغفرة) تطهر المؤمنين في البدء وتهيؤهم لتلقّي "الأجر الكبير".

ترشدنا الأية المباركة إلى دروس ومفاهيم منها:

  • إن الاهتمام بعواقب الأمور وخاتمتها يؤثر مباشرة في تربية الإنسان فحياة الإنسان لا تنتهي بالموت وعليه فإن الإنسان العاقل ينظر إلى المستقبل ويبرمج له .
  • لا تتمهد ظروف دخول الإنسان إلى الجنة إلا بعد تطهيره من تبعات الذنوب ، لأن الجنة ليس مكانا للخبائث والأرجاس .

 

والان أيها الأكارم ننصت إلى تلاوة الاية 8 من سورة فاطر:

 أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ فَإِنَّ اللَّـهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۖ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ۚ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴿٨﴾ 

بعد أن قسمت الاية الماضية الناس إلى مجموعتين "المجموعة المؤمنة" و "المجموعة الكافرة" أو "حزب الله" و "حزب الشيطان"، تنتقل هذه الاية إلى بيان إحدى الخصائص المهمّة لهاتين المجموعتين والتي هي في الواقع المصدر لسائر برامجهما. تتسائل الآية : أفمن زيّن له سوء عمله فرآه حسناً ، كمن يرى الحقائق كما هي من حيث الحسن والقبح؟

في الحقيقة فإنّ هذه القضيّة هي المفتاح لمصائب الأقوام الضالّة والمعاندة، الذين يرون أعمالهم القبيحة جميلة، وذلك لإنسجامها مع أهوائهم و شهواتهم.

بديهي أنّ أشخاصاً كهؤلاء لا يتقبّلون النصيحة، وليس لديهم الإستعداد لسماع النقد لتغيير مسيرتهم. كما أنّهم لا يناقشون أعمالهم ولا يفكّرون بعواقبها الوخيمة. و في المقابل فإن المؤمنين يتحركون ضمن إطار القوانين والشرائع التي سنها الله تعالى لهم ولا يرضخون للأهواء والنزوات كي لا يقعوا فريسة للتزيين .

ثمّ يضيف القرآن موضّحاً علّة الفرق بين الفريقين فيقول: (فإنّ الله يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء).فإذا زُيّنت الأعمال السيّئة بنظر المجموعة الاُولى، فإنّ ذلك نتيجة الإضلال الإلهي، فالله سبحانه وتعالى هو الذي جعل تلك الخاصية في النفس البشرية عند تكرارها للأعمال السيّئة، بأن تتطبّع عليها وتعتادها وتنسجم معها وتنطبع بطبيعتها.وهو سبحانه الذي أعطى للمؤمنين اصحاب القلوب الطاهرة نفاذ البصر والبصيرة، وسمعاً واعياً لإدراك الحقائق كما هي.

وواضح أنّ هذه المشيئة الإلهيّة توأم لحكمته تعالى، وإنّما تعطي لكلّ ما يناسبه. لذا فإنّ الآية تضيف في الختام: (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) التعبير بـ "حسرات" إشارة إلى "حسرة" على تضييع جوهر الإنسانية، "حسرة" على تضييع حاسّة التشخيص إلى حدّ رؤية القبيح جميلا، وأخيراً "حسرة" على الوقوع في نار الغضب والقهر الإلهي.ولكن لماذا ينبغي أن لايتحسّر النبي عليهم؟! ذلك بسبب أنّ الله عليم بما يصنعون .

تظهر جليا من الآية المباركة شدّة تألم الرّسول (ص) على الضالّين والمنحرفين، وكذلك هي حال القائد الإلهي المخلص يتألّم لعدم تقبّل الناس الحقّ وتسليمهم للباطل، وضربهم بكلّ أسباب السعادة عرض الجدار، إلى حدّ كأنّ روحه تريد أن تفارق بدنه. وهذا التعبير يشابه ما ورد في الآية الثالثة من سورة الشعراء: (لعلّك باخع نفسك ألاّ يكونوا مؤمنين) و بشكل عام فإن الأية تدعو النبي (ص) إلى أن لا يؤذي نفسه بسبب عناد هؤلاء على الباطل وضلالهم وأن يواصل مهمته في تبليغ الدين و الرسالة الإلهية .

وإلى تعاليم الأية المباركة:

  • إن الإنسان ميال إلى الجمال والزينة لذا فإن الشيطان يزين للانسان سوء عمله لكي يدفعه إلى القيام به .
  • استحسان الأعمال القبيحة باب للانحراف والضلال
  • المؤمن يدرك الواقع ويعرف نفسه ويمتلك البصيرة وأما الكافر هو شخص يظن سوء ويقع في فخ الاغترار .
  • معيار كون العمل حسنا أوسيئا من عند الله لا بالظن ونحوه .
  • إن سوء الفهم والظن السئ يمنع الانسان من التعبد والتوبة والكمال .

 

ايها الاكارم وصلنا إلى ختام حلقة أخرى من حلقات برنامج نهج الحياة سائلين الله تعالى أن يجعل حظنا من القران أوفر الحظوظ وأكملها وأتمها آمين .. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة