بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصل الله على محمد و اله الطيبين الطاهرين. مستمعينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته في بداية هذا اللقاء المبارك ننصت خاشعين الى تلاوة الاية الثالثة و الرابعة من هذه السورة المباركة:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ ۚ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّـهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ ﴿٣﴾
وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ ۚ وَإِلَى اللَّـهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴿٤﴾
جري الحديث في الحلقة الماضية حول الرحمة الالهية الواسعة لتنتقل الايات التالية إلى الحديث عن وحدانية الله تعالى و خالقيته و رازقيته و أن جميع النعم سواء المادية منها أو المعنوية فهي نعم انزلها الله تشير الآية إلى "توحيد العبادة" على أساس "توحيد الخالقية والرازقية" فتقول الآية الكريمة: (ياأيّها الناس اذكروا نعمة الله عليكم). الاية تدعو الانسان إلى التفكر ملياً فيما هو منشأ كلّ هذه المواهب والبركات والإمكانيات الحياتية التي قيّضت له، فمن الذي يرسل عليكم من الشمس نورها الذي ينشر الحياة، وحبّات المطر التي تحيي الأرض الميتة ، والنسيم الذي ينعش الروح؟ ومن الذي يخرج لكم من الأرض معادنها وذخائرها وغذاءها وأنواع نباتاتها وثمارها وبركاتها الاُخرى؟.. (هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض). فإذا علمتم أنّ مصدر كلّ هذه البركات هو الله، فاعلموا أنّ: (لا إله إلاّ هو). وعليه فكيف تنحرفون عن طريق الحقّ إلى الباطل، وتسجدون للأصنام بدلا من السجود لله سبحانه؟ (فأنّى تؤفكون).
و الاية التالية تقدّم للرسول (ص) درس الإستقامة على الصراط السوي، والذي هو أهمّ الدروس له، فتقول الآية الكريمة: (وإن يكذّبوك فقد كذبت رسل من قبلك) الاية بصدد تذكير النبي بمقاومة الرسل من قبله أمام تكذيبهم من قبل اقوامهم إلا أنهم ماكان ليهدأ لهم بال في أداء رسالتهم، وأنت يا رسول الله أيضاً يجب أن تقف بصلابة، وتؤدّي رسالتك، والبقية بعهدة الله. (وإلى الله ترجع الاُمور) فهو الناظر والرقيب على كلّ شيء، وسوف يحاسب على جميع الأعمال.
تشير الأية إلى دروس نستقي منها:
- إن الاهتمام بالنعم الإلهية هو الطريق إلى معرفة الله و الابتعاد عن الشرك والكفر.
- صحيح أن الله تعالى هو الرزاق إلا أنه جعل أسبابا طبيعية لإيصال الرزق إلى العباد.
- إن دراسة تاريخ الأقوام الماضية تؤدي إلى الصمود والثبات في طريق الحق وأن لا يخاف المرء من صولات الباطل وجولاته .
- يثمر الاهتمام بيوم المعاد عن ثبات الانسان في مواجهة المصاعب المريرة .
والان ايها الأكارم ننصت إلى تلاوة الأية الخامسة من سورة فاطر المباركة:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۖ وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّـهِ الْغَرُورُ ﴿٥﴾
توضح الاية أهم البرامج للبشرية، فتقول الآية الكريمة: (إنّ وعد الله حقّ) فالقيامة والحساب والكتاب والميزان والجزاء والعقاب والجنّة والنار كلّها وعود إلهية لا يمكن أن يُخلفها الله تعالى.
ومع الإنتباه إلى هذه الوعود الحقّة فلا ينبغي أن ينخدع الانسان بالحياة الدنيا، ولا يخدعه الشيطان بعفو الله ورحمته... أجل، إنّ عوامل الإثارة، وزخارف الدنيا وزبرجها، إنّما تريد أن تملأ قلوب الناس وتلهيهم عن تلك الوعود الإلهيّة العظيمة، وكذلك فإنّ شياطين الجنّ والإنس يحاولون دوما وسوسة وإغراء الناس بمختلف وسائل الخداع والإحتيال، و هم أيضا يريدون أن تنصب إهتمامات الناس إلي الشياطين ، وأن يلهو عن التفكير في اليوم الموعود، فإن تمكّنت أضاليلهم وخدعهم منهم، فقد ضاعت الحياة علي الانسان وكانت سعادته وآماله كالزبد يذهب جفاء !!
و الان وقفة مع تعاليم هذه الاية المباركة:
- إن من خطوات الشيطان الإغوائية هو بعث الأمل الكاذب في الانسان بعفو الله تعالى و رحمته .. هذا في حين تعد الندامة الشرط الأول لقبول التوبة وليس الرغبة نحو ارتكاب الاثم .
- إن الايمان بالمعاد من أهم المعتقدات التي تحول دون الانخداع بالدنيا .
و إليكم تلاوة الاية 6 من سورة فاطر:
إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴿٦﴾
هذه الآية تنذروتنبّه جميع المؤمنين فيما يخصّ مسألة وساوس الشيطان ومكائده والتي تعرّضت لها الآية السابقة . تلك العداوة التي شرع بها الشيطان من أوّل يوم خُلق فيه آدم (ع)، وأقسم حين طرد من قرب الله وجواره بسبب عدم تسليمه للأمر الإلهي بالسجود لآدم، أقسم وتوعّد بأن يسلك طريق العداء لآدم وبنيه، وحتّى أنّه دعا من الله أن يمهله ويطيل في عمره لذلك الغرض. وقد التزم بما قال، ولم يفوّت أدنى فرصة لإبراز عدائه وإنزال الضربات بأفراد بني آدم، فهل يصحّ منكم يابني آدم أن لا تعتبروه عدوّاً لكم، مضافاً إلى أنّه عدو يهاجم من كلّ طرف وجانب، فهو نفسه يقول: عن لسان القران الكريم: (ثمّ لآتينّهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم). ومع ذلك، فهذا لا يعني أنّكم لا تقدرون على الدفاع عن أنفسكم أمام مكائده ووساوسه . نتعلم من الاية بعضا من الدروس و هي:
على الإنسان المؤمن أن لا يفكر فقط في أعدائه و ماله وعرضه بالرغ من من أهمية كل ذلك ، فلماذا لا نهتم بالشيطان والأخلاق الفاضله فإذا غفلنا من الشيطان فلا شك أن الانحراف عن جادة الصواب سيكون من حظنا ونصيبنا.
لو خرج الانسان المؤمن من دائرة الإيمان الحقيقي سيسقط في فخ التيه والضلال.
ها نحن مستمعينا الكرام وصلنا الى ختام حلقة اخري من سلسلة حلقات نهج الحياة كلنا امل في أن نجعل من القران الكريم نهجا مطبقاً في سيرتنا وسلوكياتنا، آمين يارب- و آخر دعوانا ان الحمدلله رب العالمين.