بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة علي رسول الله وأهل بيته الأطهار .. أحبة القران الكريم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. ها نحن معكم ضمن حلقة أخرى من حلقات برنامج نهج الحياة لنحط رحلنا عند سورة فاطر المباركة و هي سورة مكية ولها من الأيات خمس وأربعون أية . سميت السورة بأحد الأسماء الالهية الحسنى و هي فاطرإي الخالق المُوجد المُبدع على غير مثال سابق.
نستمع بداية إلى تلاوة الاية الاولى من سورة فاطر:
بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّـهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۚ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿١﴾
تبدأ هذه السورة بحمد الله والثناء عليه لخلق هذا الكون الفسيح، فيقول تعالى: (الحمد لله فاطر السموات والأرض). إطلاق كلمة "فاطر" على الله سبحانه وتعالى، يعطي للكلمة مفهوماً جديداً وأكثر وضوحاً. فالحمد لله على خالقيته، لأنّ الوجود هو نابع منه تعالي ، وليس لأحد ممّن سواه شيء من ذاته. ولأنّ تدبير اُمور هذا العالم قد نيطت من قبل الباري عزّوجلّ بعهدة الملائكة و ذلك باعتبار أن العالم هو عالم الاسباب ، فالآية تنتقل مباشرةً إلى الحديث في خلق الملائكة وقدراتها العظيمة التي وهبها الله إيّاها !فيقول القران : "جاعل الملائكة رسلا اُولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إنّ الله على كلّ شيء قدير". ايها الاكارم لعل الأجنحة المتعدّدة للملائكة في هذه الاية تدل على تنوع قدراتهم وامكانياتهم و تفاوت مستويات الملائكة ودرجاتهم .فلا شك في أن الملائكة هي كائنات مجردة غيبية و لا يمكن اعتبار الجناح لهم أمرا ماديا بل إن مثل هذا التعبير هو تعبير غير مادي يستخدم من أجل تقريب المفهوم إلى ذهن البشر كما هو الأمر بالنسبة إلى استخدام العرش والكرسي واللوح القلم ...
بعد الحديث عن الملائكة تلفت الاية إلى أن الخالق لم يترك إدارة شؤون السموات و الأرض بعد خلقهما، بل إن الخلق مستمر أزلي وأبدي.
نتعلم من الاية بعضا من الدروس:
- لقد خلق الله السموات والأرض اعتمادا على نظام الأسباب والمسببات. و بينما هو القادر المتعال إلا أنه جعل الملائكة تقوم بتدبير الأموربإذن منه .
- إن يد الله مفتوحة في الخلق يخلق ما يشاء و لذلك فإن الكون في حال التقدم والتوسعة .
- تختلف المهام والواجبات الملقاة على عاتق الملائكة. فهم يحملون مهمة إبلاغ الرسالات والتشريعات الالهية من جانب ومن جانب آخر يحملون مهمة تدبير الخلق بامر الله تعالى.
والان ننصت إلى تلاوة الاية 2 من سورة فاطر:
مَّا يَفْتَحِ اللَّـهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿٢﴾
بعد الحديث عن خالقية الباري تعالى في الاية الماضية تأتي الاية الثانية لتتناول الرحمة الالهية الواسعة التي خلق الكون على أساسها و لا ينفصل الكون عنها لافتقارها إليه و لولاها لانعدم الكون بما فيه.
إن التعبير بـ "يفتح"- إشارة إلى وجود خزائن الرحمة الإلهية التي ورد ذكرها أيضاً في آيات اُخرى من القرآن الكريم، والملفت للنظر أنّ هذه الخزائن بمجرّد فتحها تجري الرحمة على الخلائق بلا أدنى حاجة إلى شيء آخر، وبدون أن يستطيع أحد منعها من ذلك. كما أن تقدّم مفهوم "فتح الرحمة" على "إمساكها"، يؤكد أنّ رحمة الله تسبق غضبه دوماً.
و أما مفردة "الرحمة" فإن لها معنى واسعا وشاملا لكلّ المواهب الإلهيّة في الكون، معنويةً وماديةً، ولهذا السبب يشعر المؤمن عندما توصد أمامه جميع الأبواب بأنّ الرحمة تنساب في قلبه وروحه، فيكون مسروراً وقانعاً هادئاً ومطمئناً، حتّى وإن كان مأسوراً في السجن . و تختم الاية بصفتي "العزيز" و "الحكيم" لتوضيح قدرة الله سبحانه وتعالى على "إرسال" و "إمساك" الرحمة، وفي نفس الوقت إشارة إلى أنّ الفتح والإغلاق في أيّ وقت شاء تعالى إنّما هو على أساس الحكمة، لأنّ قدرة الباري وحكمته مقرونتان.
ترشدنا الاية إلى مفاهيم منها:
- الرحمة الالهية تسبق الغضب الالهي ما يدل على أن الأساس هو الرحمة إلا أن الانسان هو الذي يغلق على نفسه الرحمات الالهية.
- إن القدرة والارادة الالهية تجري في إطار الحكمة فإن الله تعالى لا يفعل شيئا إلا لحكمة و أن عدم قيامه بفعل ما لايدل على عجزه بل علي حكمته.
ايها الأكارم انتهت وقفتنا عند الايتين الاوليين من سورة فاطر المباركة على أمل اللقاء بكم في حلقة أخرى ومواصلة الحديث في هذه السورة المباركة نترككم في رعاية الله وحفظه ونسألكم الدعاء.