بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأفضل صلوات المصلين على سيدنا محمد وآله الطاهرين. السلام عليكم مستمعينا الكرام ورحمة الله وبركاته ..أهلا بكم إلى حلقة جديدة من نهج الحياة إذ نواصل الحديث في شرح الايتين 46و47 من سورة سبأ المباركة ..
في البداية ننصت إلى تلاوة الأية 46 من هذه السورة المباركة:
قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ ۖ أَن تَقُومُوا لِلَّـهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ۚ مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴿٤٦﴾
تأمر هذه الاية من سورة سبأ تامرالرّسول الأكرم (ص) مرّة اُخرى بدعوة المشركين و المعاندين بالأدلّة المختلفة ليؤمنوا بالحقّ، ليرجعوا عن ضلالهم، في هذه الآية إشارة إلى اللبنة الأساسية في كلّ التحوّلات والتغييرات الإجتماعية والأخلاقية والسياسية والإقتصادية والثقافية، فتقول وبجمل قصيرة وعميقة المعنى : " قل إنّما أعظكم بواحدة ؛ أن تقوموا لله مثنى وفرادى ؛ثمّ تتفكّروا ما بصاحبكم من جنّة ؛ إن هو إلاّ نذير لكم بين يدي عذاب شديد ".
كلمات وتعبيرات هذه الآية يشير كلّ منها إلى موضوع هامّ، نجملها في عشرة نقاط:
- قوله "أعظكم" توضّح في الحقيقة القول بأن رسول الله (ص) يلحظ فيما يقول لهم خيرهم وصلاحهم دون أيّ شيء آخر.
- التعبير بـ "واحدة" مع إرتباطه بالتأكيد بواسطة "إنّما" إشارة معبّرة إلى أنّ أصل جميع الإصلاحات الفردية والجماعية، إنّما هي بإعمال الفكر، فما دام تفكير الاُمّة في سبات فستكون هدفاً لسرّاق ولصوص الدين والإيمان والحرية والإستقلال.
- التعبير بـ "قيام" ليس معناه مجرّد الوقوف على القدمين، بل معناه الإستعداد لإنجاز العمل، بلحاظ أنّ الإنسان بوقوفه على قدميه إنّما يكون مستعدّاً لإتمام البرامج الحياتية المختلفة .
- قوله تعالي "أن تقوموا لله" يوضّح أنّ القيام والإستعداد يجب أن يكون باعثه إلهياً، والتفكّر الذي يكون صادراً عن هذا الدافع له قيمة عالية.
- التعبير بـ "مثنى وفرادى" إشارة إلى أنّ التفكّر يجب أن يكون بعيداً عن الغوغائية والفوضى، بأن يقوم الناس آحاداً أو على الأكثر مثنى ويتفكّرون، لأنّ التفكّر وسط الضوضاء والغوغائية لا يمكنه أن يكون عميقاً، خصوصاً وأنّ عوامل مثل التعصّب في طريق الدفاع عن الإعتقادات الشخصية ستكون أشدّ فعلا في التجمّعات الأكبر.
- الملفت للنظر أنّ القرآن الكريم يقول هنا "تتفكّروا" دون أن يذكر بماذا؟ فحذف المتعلّق دليل على العموم، أي في كلّ شيء في الاُمور الكبيرة والصغيرة.
- تعبير "صاحبكم" إشارة إلى الرّسول الأكرم (ص) وإنّه ليس نكرة بالنسبة لمن تخاطبهم الاية.
- مفردة "جنّة" بمعنى "جنون" تريد الكشف عن حقيقة أنّ من يدعو إلى التفكّر والإنتباه كيف يكون مجنوناً، والحال أنّ مناداته بالتفكّر إنّما هي دليل على تمام عقله ودرايته.
- عبارة (إن هو إلاّ نذير لكم) تلخّص رسالة الرّسول الأكرم (ص) في مسألة "الإنذار" أي: التحذير من المسؤولية، ومن محكمة العدل الإلهية، والعقاب الإلهي.
- التعبير بـ (بين يدي عذاب شديد) إشارة إلى أنّ القيامة قريبة جدا فعن الرّسول الأكرم (ص) قال: "بعثت أنا والساعة كهاتين" وضمّ (ص) الوسطى والسبّابة.
و الان نستمع إلى تلاوة الاية 47 من سورة سبأ المباركة:
قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّـهِ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴿٤٧﴾
في مطلع هذه الآية، يتحدّث القرآن في عدم مطالبة الرّسول (ص) بأي أجر مقابل تبليغ الرسالة.تقول الآية : (قل ما سألتكم من أجر فهو لكم، إن أجري إلاّ على الله).وذلك إشارة إلى أنّ العاقل حينما يتصرّف أي تصرّف يجب أن يكون لتصرفه باعث، فحينما يثبت لكم رسول الله (ص) بأنّ لديه عقلا كاملا، وترون بأن ليس له هدف مادّي، فيجب أن تعلموا بأنّ هناك دافعاً ومحرّكاً إلهياً ومعنوياً هو الذي يدفعه إلى ذلك التصرّف أو العمل . وإذا أراد النبي منكم مودة قرباه فهذا لانه يعود نفعه إلي الناس، لأنّ مودّة ذي القربى ترتبط بمفهوم (الإمامة والولاية) و "إستمرار خطّ النبوّة، الذي هو ضروري لإدامة هداية المسلمين.
نستلهم من الاية معاني نشير إلى بعض منها:
- علي من يسعى لنشر الدين فيما بين الناس أن لا يطالبهم بالأجر المادي فنشر أحكام الدين واجب ديني .
- لو سار الانسان في طريق نشر الدين و أحكامه فهذا لا يبرر له مطالبة الأجرمن الله ورسوله لأن ما يقوم به هو لصالحه ولصالح مجتمعه .
- لو كان الإنسان يعمل لوجه الله وسعيا لحصول رضاه عزوجل فلا يولي أهمية للافتراءات والإباطيل التي تقال بحقه.
مع انتهاء الحديث عن هذه الاية تنتهي حلقة أخرى من حلقات برنامج نهج الحياة والذي استمعتم له من ..........شكرا لكم وإلى اللقاء.