بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم وصلي الله على رسوله الأمين رحمة للعالمين محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين ... ايها الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يسرنا أن نلقاكم مجددا عبر برنامج نهج الحياة الذي يرسمه لنا القران الكريم وقفتنا اليوم عند الايات 10 حتى 13 من سورة سبأ المباركة .. في البداية ننصت سوية إلى تلاوة الايتين 10 و11 من هذه السورة ..

 وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا ۖ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ۖ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ﴿١٠﴾ 

أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ۖ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴿١١﴾ 

في هذه الآية يجري الكلام حول المواهب العظيمة التي تفضّل الله بها على داود (ع) ومنها المعاجزالمختلفة التي مثلت جزءاً من هذا الفضل العظيم، وكذلك الصوت الباهر، والقدرة العالية على القضاء العادل التي اُشير إليها في سورة صاد ، وأهمّ من ذلك كلّه النبوّة والرسالة التي شُرِّف بها داود.ثم تشير الاية الي أنّ كلّ ذرّات الوجود تذكر الله وتسبّح بحمده، سواء سَبَّحَ داود (ع) معها أو لم يسبّح، ولكن الميزة التي خُصّ بها داود هي أنّه ما إن يرفع صوته ويبدأ التسبيح، إلاّ ويظهر ما كان خفيّاً وكامناً في الكائنات ، وتتبدل الهمهمة الباطنية إلى نغمة علنية منسجمة. بعد ذكر هذه الفضيلة المعنوية، تذكر الآية فضيلة مادية اُخرى فتقول: (وألنّا له الحديد) حيث استطاع بواسطته تليين الحديد حتّى يمكنه من صنع أسلاك رقيقة وقوية لنسج الدروع منها.

يقول تعالى: (أن اعمل سابغات وقدّر في السرد).مفردة "سابغات": جمع (سابغ) وهو الدرع التامّ الواسع.و"السرد": في الأصل بمعنى حياكة ما يخشن ويغلظ كنسج الدرع وخرز الجلد، و استخدم للتعبير عن نظم الحديد.عبارة (وقدّر في السرد) تعني مراعاة المقاييس المتناسبة في حلقات الدرع وطريقة نسجها.ثمّ تُختم الآية بخطاب لداود وأهل بيته (واعملوا صالحاً إنّي بما تعملون بصير).

نستلهم من الايتين دروسا نشير الي بعض منها:

•  إن الذين يتوبون إلى الله تعالى فهم سيحظون بالرحمة الإلهية الخاصة .
•  إن جميع الكائنات في الكون سواء الجمادات و النباتات والحيونات كلها تطيع أوامر الله تعالى .لأن الله تعالى يخاطبها مباشرة .
•  إن الطاقات والنعم الإلهية الموجودة في أعماق الأرض سخرها الله تعالى لخدمة حياة البشر .
•  إن الصناعة يجب أن تحظى بالدقة والكيفية اللازمة وخدمة لمصالح البشر.

و الان ننصت إلى تلاوة الايتين 12 و13 من سور سبأ:

وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ۖ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ ۖ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ ﴿١٢﴾ 

يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ۚ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴿١٣﴾

بعد الحديث عن المواهب التي أغدق الله بها على داود (ع) تنتقل الآية إلى الحديث عن ابنه سليمان (ع)، لتشير إلى ثلاث مواهب عظيمة خُصّ بها ابنه سليمان(ع) : يقول تعالى: (ولسليمان الريح غدوّها شهر ورواحها شهر)يقال في معني الآية إنّ سليمان (ع) يقطع في وقت مقداره من الصبح إلى الظهر - بمركبه - ما يعادل المسافة التي يقطعها المسافرون في ذلك الزمان بشهر كامل، وكذا نصف النهار الثاني.ثم تنتقل الآية إلى الموهبة الثّانية التي خصّ الله بها سليمان (ع) فتقول الآية الكريمة: (وأسلنا له عين القطر). أسلنا" من مادّة "سيلان" بمعنى الجريان، و "القطر" بمعنى النحاس، والمقصود أنّنا أذبنا له هذا الفلز وجعلناه كعين الماء.

وأخيراً تنتقل الآية إلى بيان الموهبة الإلهية الثالثة لسليمان (ع) وهي تسخير مجموعة كبيرة من الجنّ لخدمته "الجنّ": وكما هو معلوم من اسمه، ذلك المخلوق المستور عن الحسّ البشري، له عقل وقدرة ومكلّف بتكاليف إلهية ويستفاد من تعبير الآية أنّ تسخير هذه القوّة العظيمة كان - أيضاً - بأمر الله، وأنّهم كانوا يتعرّضون للعقاب لدى تقصيرهم في أداء مهامهم.

ترشدنا الايتان إلى تعاليم نشير الى بعضها:

• إن للأنبياء القدرة على التصرف في شؤون الكون بأمر وإذن إلهي .
• في بعض الأحيان يستطيع الإنسان وبقدرة الله وإذنه أن يجعل الجن تحت إرادته و تصرفه .
• إن الصناعة و الفن واستثمار المواهب الطبيعية مثل المعادن والفلزات كل ذلك من تعاليم الأنبياء إلى الإنسان ليمهدوا له طريق التطور والتنمية .
• إن لإذابة النحاس و صناعة صبه تاريخ قديم يعود إلى حياة نبي الله سليمان (ع) .

أيها الأحبة ها قد وصلنا إلى ختام حلقة أخرى من برنامج نهج الحياة سائلين الباري تعالى أن يجعلنا ممن يهتدون بهدي القران ويجعلونه نبراسا ومنهجا لحياتهم آمين رب العالمين . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.