بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة على رسول الله وأهل بيته الكرام السلام عليكم ايها الأكارم وأهلا بكم معكم هذه الحلقة لنبدأ بإذن الله التأمل في تعاليم سورة سبأ المكية و هي تتناول ما جرى على قوم سبأ وقد سميت السورة باسمهم. تعالوا نصغي معا إلى تلاوة الأيتين الأولى والثانية من هذه السورة المباركة.
بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴿١﴾
يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۚ وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ ﴿٢﴾
خمس سور من القرآن الكريم إفتتحت "بحمد الله"، وإرتبط (الحمد) في ثلاثة منها بخلق السموات والأرض وهي (سبأ وفاطر والأنعام) بينما كان مقترناً في سورة الكهف بنزول القرآن على قلب الرّسول الأكرم (ص)، وجاء في سورة الفاتحة تعبيراً جامعاً شاملا لكلّ هذه الإعتبارات (الحمد لله ربّ العالمين). على كلّ حال، الحمد والشكر لله تعالى في مطلع سورة سبأ هو في قبال مالكيته وحاكميته تعالى في الدنيا والآخرة.
نستلهم من هاتين الايتين مفاهيم منها:
- إن الحمد الحقيقي هو لله تعالى وإذا حمد كل صاحب كمال فالحمد يعود بالتالي إلى خالقه وباعثه
- ليس علم الله بالكون وبالانسان من صنف المعلومات الكلية بل إن الله عزوجل عليم بجميع الأمور ولطائفها ودقائقها .
و الان نستمع إلى تلاوة الاية 3 من سورة سبأ:
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ ۖ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ ۖ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴿٣﴾
تتحدث الأية عن تكذيب الكفار ليوم الاخرة (وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة). ويريدون بذلك الفكاك والتحرّر من قيود هذه الإعتقادات; الحساب والكتاب والعدل والجزاء، ليرتكبوا ما يحلوا لهم من الأعمال.ولكنّ القرآن بناءً على وضوح أدلّة القيامة يخاطب الرّسول الأكرم (ص)بصورة حاسمة وفي معرف بيان النتيجة، فيقول: (قل بلى وربّي لتأتينكم).ولا يغيب عن علم الله تعالي تبعثر ذرّات جسم الإنسان في التراب، ولا يشكّل مشكلة أمام إعادة بنائه من جديد... وأعمالهم في هذه الدنيا تبقى محفوظة أيضاً، وإن تغيّر شكلها، فهو سبحانه المحيط بها علماً.
و إلى بعض من تعاليم الأية:
- لا يمتلك الكفار دليلا على إنكارهم للمعاد واليوم الأخر.
- إن الإنسان يواجه ربا عليما لا يخفى عنه شيئ في الأرض ولا في السماء .
- لا فرق بين صغار الأمور وكبارها في علم الله.
و الان نصغ إلى تلاوة الايتين 4و5 من سورة سبأ:
لِّيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۚ أُولَـٰئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴿٤﴾
وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ ﴿٥﴾
تشير الأية إلى الهدف من المعاد في الاخرة والدليل على ضرورة مثل ذلك العالم بعد عالمنا الحالي لمنكري القيامة في آيتين، فإن لم يُجازِ المؤمنين بصالح عملهم ثواباً، أفلا يعني ذلك تعطيل أصل العدالة الذي هو أهم أصل من اُصول الخلق؟ وهل يبقى معنى لعدالة الله بدون ذلك المفهوم؟! في الوقت الذي نرى أنّ أغلب هؤلاء الأفراد الصالحين، لا يتلقون جزاء أعمالهم الحسنة في هذه الدنيا أبداً، إذن لابدّ من عالم آخر لكي يتحقّق فيه هذا الأصل.
ثمّ تضيف الآية الكريمة التالية، موضّحة نوعاً آخر من العدالة فيما يخصّ عقاب المذنبين والمجرمين فالذين كذّبوا بآيات الله وسعوا في إنكارها وإبطالها وتصوّروا أنّهم يستطيعون الخلاص من دائرة قدرة الله تعالي (اُولئك لهم عذاب من رجز أليم).
ترشدنا الايتان إلى مفاهيم نشير إلى بعض منها:
- إن الطريق الوحيد لتلقي المكافأة الإلهية في يوم الأخرة هو الإيمان والعمل الصالح .
- لا أحد يتمكن من القيام بالجزاء والمكافأة الحقيقية إلا من أحاط بجميع أفعال الفرد ونيته ودوافعه .
- يجب على المسلمين أن لا يغفلوا عن محاولات الأعداءالرامية إلى التقليل من أهمية القران و الإسلام وأنهم يعملون على إبعاد المسلمين من كتاب الله تعالى.
ايها الاكارم وصلنا إلى ختام حلقة أخرى من حلقات برنامج نهج الحياة سائلين الله تعالى أن يجعل حظنا من القران أوفر الحظوظ وأكملها وأتمها آمين .. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.