بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين صلي الله علي سيدنا محمد وآله الطاهرين .. مستمعينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. معكم أيها الأحبة في حلقة أخرى من برنامج نهج الحياة للتأمل عند الأيات 18 إلى 21 من سورة الأحزاب المباركة دعونا في البداية لننصت إلى تلاوة مرتلة للآية 18 و 19 من سورة الأحزاب ..
قَدْ يَعْلَمُ اللَّـهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا ۖ وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿١٨﴾
أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ ۖ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ۖ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ ۚ أُولَـٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّـهُ أَعْمَالَهُمْ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرًا ﴿١٩﴾
جري الحديث في الحلقة الماضية عن قيام المنافقين ببث الرعب ومشاعر الإحباط واليأس فيما بين المسلمين قبيل حدوث معركة الأحزاب . لتكشف هذه الأية عن هدف المنافقين وراء محاولاتهم تلك و هو منع المسلمين من مواجهة الكفار والمشركين.
فقالت الاية: (قد يعلم الله المعوّقين منكم والقائلين لإخوانهم هلمّ إلينا ولا يأتون البأس إلاّ قليلا).
مفردة "المعوّقين" من مادّة (عوق) تعني منع الشيء ومحاولة صرف الآخرين عنه، و "البأس" في الأصل يعني (الشدّة)، والمراد منه هنا الحرب.
إنّ الدافع لكلّ تلك العراقيل التي وضعها المنافقون أمام المسلمين هو لأنّهم بخلاء: لا في بذل الأرواح في ساحة الحرب، بل هم بخلاء حتّى في المعونات الماديّة لتهيئة مستلزمات الحرب، وفي المعونة البدنية في حفر الخندق، بل ويبخلون حتّى في المساعدة الفكرية، بخلا يقترن بالحرص المتزايد يومياً !وكل ذلك بسبب أنهم لم يذوقوا طعم الإيمان الحقيقي، ولم يستندوا إلى ركن قويّ في الحياة، فإنّهم يفقدون السيطرة على أنفسهم تماماً عندما يواجهون حادثاً صعباً ومأزقاً حرجاً، وكأنّهم يواجهون الموت.
ثمّ تضيف الآية: (فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحّة على الخير) بمعني يأتون إليكم كأنّهم هم الفاتحون الأصليون والمتحمّلون أعباء الحرب، فيعربدون ويطلبون حصتهم من الغنائم، وهم كانوا أبخل من الجميع في المشاركة في الحرب والثبات فيها.وتشيرالآية في النهاية إلى آخر صفة لهؤلاء، والتي هي في الواقع أساس كلّ شقائهم وتعاستهم، فقالت: (اُولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم) لأنّها لم تكن منبعثة عن الإخلاص والدافع الديني الإلهي: (وكان ذلك على الله يسيراً).
ترشدنا الأيتان إلى دروس منها:
- في حالات المواجهة مع الأعداء ينبغي الحذر من ضعاف النفوس والإيمان الذين لا عهد لهم في البقاء والثبات في ساحات المعركة بل إنهم يقومون ببث حالات الخوف والذعر من قدرة الأعداء فيما بين المسلمين .
- إن من صفات المنافقين هوأنهم يبخلون عن حماية المسلمين والدفاع عنهم في الأزمات والشدائد والحروب وبعد أن انتصر المسلمون و رفعت الأزمة فهم يحرصون على مشاركة المسلمين في الغنائم التي حصلوا عليها .
- من العلامات البارزة في المنافقين هي الخوف والبخل وحدة اللسان وتوقع ما ليس في محله .
والان آيها الأكارم إليكم تلاوة الأي 20 من سور الأحزاب المباركة:
يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا ۖ وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ ۖ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا ﴿٢٠﴾
تجسّد هذه الآية بتصوير أبلغ جبن فئة المنافقين وخوفهم ، فتقول: (يحسبون الأحزاب لم يذهبوا) أي أنهم لم يذهبوا من شدّة خوفهم ورعبهم، فقد خيّم عليهم كابوس مخيف، فكأنّ جنود الكفر يمرّون دائماً أمام أعينهم وقد سلّوا السيوف ومالوا عليهم بالرماح!
إنّ هؤلاء المحاربين الجبناء، والمنافقين خائري القلوب والقوى يخافون حتّى من ظلالهم، وينطوون على أنفسهم من الخوف لدى سماع صهيل الخيل ورغاء البعير، ظنّاً أنّ جيوش الأحزاب قد عادت!
ثمّ تضيف الآية: (وإن يأت الأحزاب يودّون لو أنّهم بادون في الأعراب) أي نتشرون في الصحراء بين أعراب البادية، فيختفون هناك ويتتبّعون أخباركم يسألون لحظة بلحظة من كلّ مسافر آخر الأخبار لئلاّ تكون الأحزاب قد اقتربت منهم، وهم مع ذلك يمنّون عليكم بأنّهم كانوا يتابعون أخباركم دائماً! وعلى فرض أنّهم لم ينهزموا و لم يفرّوا من الميدان، بل بقوا و ثبتوا معكم ما قاتلوا الاعداءتقول الاية : (ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلاّ قليلا).
فلا تحزنوا ولاتقلقوا لذهابهم، ولا تفرحوا بوجودهم بينكم، فإنّهم اُناس لا قيمة لهم، وعدم حضورهم في المعركة أفضل من وجودهم فيها!
وحتّى هذا المستوي القليل من العمل لم يكن لله أيضاً، بل هو نتيجة الخوف من لوم وتقريع الناس، وللتظاهر والرياء، لأنّه لو كان لله لكانوا يصمدون ويثبتون في ساحة المعركة ما دام فيهم عرق ينبض.
ترشدنا الاية المباركة إلى تعاليم منها:
- يتصور الجبناء وضعاف الإيمان أن أعداء الاسلام دائما هم أقوى من المسلمين.
- إن المنافقين لا يرون نتيجة المواجهة مع الأعداء سوى الفشل والهزيمة التي تلاحق المسلمين لذا فتراهم يبنون على هذا الأساس دوما في تخطيطهم.
- إن استيلاء الخوف على الإنسان يمنعه من إدراك الواقع.
- يفضل ضعاف النفوس والايمان العيش في المجتمعات النائية والبعيدة عن الثقافة على العيش في المجتمعات الدينية الملتزمة
- إن المنافقين يستبدلون متابعة أخبار المسلمين بالبقاء معهم والدفاع عنهم.
و الان إليكم تلاوة الاية 21 من سورة الاحزاب المباركة:
لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا ﴿٢١﴾
أيها الأحبة لقد تقدّم الكلام عن ضعفاء الإيمان والمنافقين والمعوّقين عن الجهاد.ويتحدّث القرآن المجيد في نهاية المطاف عن المؤمنين الحقيقيين، ومعنوياتهم العالية ورجولتهم وثباتهم وسائر خصائصهم في الجهاد الكبير.
ويبدأ مقدّمة هذا البحث بالحديث عن النّبي الأكرم (ص)، حيث كان إمامهم وقدوتهم، فيقول: (لقد كان لكم في رسول الله اُسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً).فإنّ النّبي (ص) خير نموذج لكم، لا في هذا المجال وحسب، بل وفي كلّ مجالات الحياة، فإنّ كلاًّ من معنوياته العالية، وصبره وإستقامته وصموده، وذكائه ودرايته، وإخلاصه وتوجّهه إلى الله، وتسلّطه وسيطرته على الحوادث، وعدم خضوعه وركوعه أمام الصعاب والمشاكل، نموذج يحتذي به.
إنّ هذا القائد العظيم ربان سفينة النجاة لا يدع للضعف والعجلة إلى نفسه سبيلا عندما تحيط به أشدّ العواصف المتلاطمة، فهو مصباح الهداية، ومبعث الراحة والهدوء والإطمئنان الروحي لركابها.
إنّه (ص) يأخذ المعول بيده ليحفر الخندق مع بقيّة المؤمنين، فيجمع ترابه بمسحاة ويخرجه بوعاء معه، ويمزح مع أصحابه لحفظ معنوياتهم والتخفيف عنهم، ويرغّبهم في إنشاد الشعر الحماسي لإلهاب مشاعرهم وتقوية قلوبهم، ويدفعهم دائماً نحو ذكر الله تعالى ويبشّرهم بالمستقبل الزاهر والفتوحات العظيمة.
أحبتنا المستمعين تعلمنا الاية المباركة:
- أن النبي الأكرم (ص) أثبت أن الدين لا ينفصل عن إدارة الحكومة فقد دعا الناس إلى القسط والعدل التوحيد وقد لبس لامة الحرب لمواجهة العدو وقيادة جنود الإسلام إنه (ص) جاء بسعادة المسلمين في الدنيا والاخرة.
- كان النبي الأكرم يعيش مع الناس كأحدهم وهذا ما يجعله أسوة لجميع المؤمنينفي جميع شؤونهم.
- إن رسول الله (ص) بالرغم من اتصاله بالوحي الالهي وقدرته على معرفة الغيب بإذن الله إلا أنه كان يراعي الأصول والقواعد الحربية.
- لو جعل المسلمون النبي الأكرم أسوتهم وقدوتهم في الحياة لما أصبحوا أذلاء خانعين أمام الأعداء ليحكموا على رقابهم و يتسلطون عليهم.
الأكارم وصلنا إلى ختام هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة استمتعم له من طهران ... حتى الملتقى نستودعكم الله والسلام عليكم.