بسم الله الرحمن الرحيم وصلي الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين . احباءنا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .يسعدنا أن نلقاكم مجددا عبر هذا البرنامج نهج الحياة لنستلهم من تعاليم الايات القرانية دروسا ومعاني للحياة حيث نواصل التدبر معا في الايات العشرين حتى الخامس والعشرين من سورة السجدة المباركة .. كلنا آذان صاغية للاستماع إلى تلاوة الايتين 20 و21 من هذه السورة المباركة ..
وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ۖ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴿٢٠﴾
وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴿٢١﴾
لقد تحدثنا في الحلقة الماضية أن الله تعالى يخاطب الفطرة الإنسانية ويوجه إليها السؤال عن الفرق بين فئتي المؤمنين و الفاسقين بالقول : "أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون " ويؤكدالباري تعالي أن المؤمنين يستحقون دخول الجنة بسبب ما قدمو من أعمال صالحة .
ان هذه الاية نجدها تشير إلى النقطة التي تقابل هؤلاء المؤمنين فتقول: (وأمّا الذين فسقوا فمأواهم النار) فهؤلاء مخلّدون في هذا المكان المرعب بحيث أنّهم (كلّما أرادوا أن يخرجوا منها اُعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذّبون). فمرّة اُخرى نرى هنا العذاب الإلهي قد جُعل في مقابل "الكفر والتكذيب"، والثواب والجزاء في مقابل "العمل"، وهذا إشارة إلى أنّ الإيمان لا يكفي لوحده، بل يجب أن يكون حافزاً وباعثاً على العمل، إلاّ أنّ الكفر كاف لوحده للعذاب، وإن لم يرافقه ويقترن به عمل.
ترشدنا الايات إلى تعاليم منها :
- إن الذنوب والخطايا تحيط بالانسان بحيث تجعله منكرا لحقيقة المعاد ويوم البعث .
- إن العذاب الالهي لا يختص فقط بعالم الاخرة بل إن الدنيا تكون موقعا لجزاء بعض الناس .و الغرض منه رجوع هؤلاء إلى صوابهم و رشدهم و بالتالي توبتهم قبل فوات الأوان .
- إن العذاب الذي يأت به الله تعالى في الدنيا بحق الفاسقين يُصَبُّ في إطارالتربية الروحية للإنسان وهو نابع من الرحمة الالهية لقوله تعالي "لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ".
والان نستمع إلى تلاوة الاية 22 من سورة السجدة المباركة:
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا ۚ إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ ﴿٢٢﴾
ايها الاكارم عندما لم تنفع أيّة وسيلة من وسائل التوعية والتنبيه، حتّى العذاب الإلهي، عندها لم يبق طريق إلاّ الانتقام ، إنتقام الله من هؤلاء القوم الذين هم أظلم الناس، فتقول الآية : (ومن أظلم ممّن ذكّر بآيات ربّه ثمّ أعرض عنها إنّا من المجرمين منتقمون). لماذا ؟ لأنهم لم تؤثّر فيهم النعمة الإلهيّة، ولا العذاب والإبتلاءات التحذيرية، وعلى هذا فلا أحد أظلم منهم، وإذا لم يُنتقم من هؤلاء فمّمن الإنتقام؟ ويجب الإلتفات إلى أنّ التعبير بـ "الإنتقام" يعني العقوبة ، ومع أنّ معنى الكلمة أصبح في المحادثات اليومية يعني تشفّي القلب وإبراد الغليل من العدو، إلاّ أنّ هذا المعنى لا وجود له في الأصل اللغوي .
تعلمنا الاية دروسا نذكر منها :
- إن صفة الإصرار على الذنب والخطيئة تجعل الإنسان يتعالى و يبتعد عن الحق وهكذا سيغوص اكثر فأكثر في بحرالأثام والذنوب .
- تعلمنا الأية أن المتعامل مع المجرمين سيحتاج إلى ممارسة الشدة والقسوة فيما لم تُجدِ التذكير و التنبيه نفعا .
والان أيها الاكارم لنصغ جيدا إلى الايات 23 حتى 25 من سورة السجدة:
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ ۖ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ ﴿٢٣﴾
وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴿٢٤﴾
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴿٢٥﴾
تشيرالآيات إشارة عابرة إلى قصّة "موسى" (ع) وبني إسرائيل لتسلّي نبيّ الإسلام (ص) والمؤمنين الأوائل وتطيّب خواطرهم، وتدعوهم إلى الصبر والتحمّل والثبات أمام تكذيب المشركين و إنكارهم وقد اُشير إليه في الآيات السابقة، لتكون بشارة للمؤمنين بإنتصارهم على القوم الكافرين المعاندين كما انتصر بنو إسرائيل على أعدائهم وأصبحوا أئمّة في الأرض.
إن هؤلاء المؤمنين الذين بلغوا سدة الحكم بفضل إيمانهم و ثباتهم على المبدء لم يكونوا اتباعا لأهوائهم و نزواتهم بل كانوا مطيعين لاوامر الله تعالى فتقول الاية "وجعلنا منهم أئمّة يهدون بأمرنا لمّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون" فقد آثروا هوى الله على هواهم و أخضعوا ميولهم ورغباتهم تبعا لما أمرالله و حكمه عزوجل .
ولا يخفى مستمعي الكريم أن بني إسرائيل أصيبوا بفتن الخلافات التي أدت إلى التفرقة فيما بينهم ولم يكن أسباب تلك الخلافات سوى ابتعادهم عن الله واتباع الهوى والنزوات النفسانية . ولذلك فإن الله يتحدث عنهم بإنذار قائلا: إنّ ربّك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون.
أجل... إنّ مصدر الإختلاف دائماً هو مزج الحقّ بالأهواء والميول، ولمّا كانت القيامة يوماً لا معنى فيه للأهواء والميول، حيث تمحى الميول ويتجلّى الحقّ بأجلى صوره، فهناك ينهي الله سبحانه الإختلافات بأمره، وهذه أيضاً إحدى فلسفات المعاد.
ترشدنا الايات إلى مفاهيم منها :
- إن مسالة بعثة الأنبياء كانت قضية تاريخية مستمرة كانت قبل بزوغ فجرالاسلام لحقب طويلة و ينبغي أن لا ندع للشكوك والظنون ان تجد لها مكانا في النفس بخصوص حقيقة الأنبياء والأولياء الكرام .
- إن من لوازم قيادة الأمة هو الإيمان بالله تعالى واليقين والثبات علي المبدء. فعلى القائد أن يكون مؤمنا و موقنا بما يحمله من الأهداف ، مقاوما وصابرا حتى النفس الأخير ليحافظ علي الشروط اللازمة لقيادة الأمة و إيصالها إلى بر الأمان .
- على القادة الإلهيين ان لا تهزهم الهزائز و لا يفقدوا عزيمتهم في هداية الأمة لأن الخلافات والمشاكل كانت ولم تزل .
أيها الاحبة هكذا وصلنا إلى نهاية هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة وكلنا أمل في أن نوفق لحصول المزيد من المعارف القرانية بهدف تطبيقها في حياتنا السلوكية إن شاء الله . إلى أن نلقاكم مجددا في هذا البرنامج نستودعكم الله وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.