بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين السلام عليكم مستمعينا الكرام و رحمة الله وبركاته ..ها نحن معكم بتوفيق الله عبر حلقة أخرى من حلقات برنامج نهج الحياة لنرتوي من معين الوحي الالهي شربة طيبة مباركة نرفع بها ظمأ أرواحنا المتعطشة للنور المبين.
دعونا في البدء ننصت خاشعين إلى تلاوة الآيتين العاشرة والحادية عشرة من سورة السجدة المباركة.
وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ۚ بَلْ هُم بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ ﴿١٠﴾
قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴿١١﴾
جرى الحديث في الحلقة الماضية عن كيفية خلق الإنسان و في هذه الايات إشارة واضحة إلى قضية موت الإنسان و كفرانه النعم الإلهية ..ومن مصاديق ذلك إنكاره القيامة والمعاد مع كل ما يراه من سعة القدرة الإلهية .عندما يقول كيف للإنسان أن يحي مجددا بعد موته و بعدأن أصبحت جميع جوارحه ترابا .
فيرد الله عليه إنما يتلاشى من الإنسان في التراب هو جسمه المادي فحسب وأما روحه فتستعيدها الملائكة حين الموت و ستلتحق هذه الروح يوم القيامة بالجسم المادي وهكذا يتم إحياء الانسان من جديد في يوم المحشر .
يجد المتأمل في هاتين الأيتين مفاهيم منها :
- نستلهم من قوا المجرمين يوم القيامة " ضللنا في الارض" أنهم يشكون في المعاد الجسماني .
- ينبغي رفع الشك والريب بالأدلة الواضحة والدامغة لأن الشك إن تُرك سيؤدي بالانسان إلى الكفر فقد شك هولاء في البداية وأصبحوا كافرين بلقاء ربهم .
آيها الأحبة مفردة توفي تعني استعادة الشيء تاما . ونظرا إلى كون جسد الإنسان يبقى في مكانه فالمراد من الاستيفاء التام هو استيفاء الروح . والتي هي حقيقة الإنسان . ولو أنها ذهبت لذهب الإنسان بتمامه . وبناء عليه فالروح هي التي لها الأصالة والاستقلال والبقاء وهذه الروح هي التي تعاد إلى الجسم و بها تعود الحياة إليه . و عليه فإن حقيقة وجود الإنسان مع روحه وليس مع جسمه. فإن فقد الإنسان بعضا من جوارحه كالرجل أو اليد لا يشعر بأن هويته وحقيقته أصيبت بالخلل أو النقص . فاصل
والان آيها الاكارم نستمع إلى تلاوة الاية 12 من سورة السجدة :
وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ ﴿١٢﴾
تخاطب الاية المباركة النبي (ص) قائلة : ليتك كنت ترى حال المجرمين عندما يرجون الله و يسألونه أن يعيدهم إلى الدنيا ليعملوا صالحا وهم في حالة يرثى لها كيف وقد رؤوا المؤمنين قد دخلوا الجنة وقد شاهدوا وسمعوا أنين أهل النار إلا أنه خاب رجاءهم و لم يقبل طلبهم . فيوم القيامة يوم الندم للمجرمين و هو يوم لا يستكبرون فيه بل إن رؤوسهم منكوسة .
إن الأية تخاطب النبي وتخبره بعاقبة المجرمين في يوم القيامة وكيف أن رؤوسهم منكوسة فيه وهذا الخطاب مما يجبر خاطر النبي والمؤمنين معه لما عانوه من أذى المجرمين في الدنيا .
ترشدنا الأية إلى مفاهيم ودروس منها :
- يشير قوله تعالى " ربنا أبصرنا و سمعنا " إلى أن يوم القيامة يوم الاعتراف و الإقرار بالخطايا والذنوب و هو يوم الكشف عن الحقائق والإبصار والسمع فمن أغلق سمعه وأغلق بصره عن الحق في الدنيا سيقول يوم القيامة : أبصرنا وسمعنا .
- إن العمل الصالح في هذه الدنيا هو السبب الوحيد للنجاة في يوم القيامة وهذا ما تدل عليه عبارة : فارجعنا نعمل صالحا .
- إن قول المنكرين يوم القيامة " إنا موقنون" يشير إلى أن سبب ارتكاب الذنوب هو تكذيب يوم القيامة . و لكن ماذا ينفع اليقين في ذلك اليوم .
والان ننصت إلى تلاوة مرتلة للاية 13 و14 من سورة السجدة :
وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَـٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴿١٣﴾
فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ ۖ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿١٤﴾
تؤكد هذه الاية قضية حرية الإنسان في سلوك طريق الهداية فهي تشير إلى إن الله تعالى وفر للإنسان جميع مستلزمات الهداية مثل الأنبياء والكتب السماوية والعقل والفطرة الباحثة عن الحقيقة و قد ترك الإنسان حرا في اختيار أو رفض طريق الهدى والصلاح .إن الله وملائكته لا يجبرون أحدا في أن يسلك سبيل الهدى و لا شك أن الجميع لا يرضخون للحق ولا يسلكون سواء السبيل فكثير من الناس يخوضون في الباطل وطرق الانحراف ولا عاقبة لهم إلا النار .
إن الانبياء مثلهم كمثل المعلمين الذين يلقون الدروس والمحاضرات على الطلاب ولا يجبرون أحدا من التلاميذ بمذاكرة الدروس إلا أنهم يدعونهم إلى الخير فمن عمل بوصايا الأنبياء والأولياء فقد اهتدى ومن لم يؤمن فقد ضل ضلالا بعيدا .
يثير البعض من الناس شبهة أن الله كيف يمكن أن يلقي بعباده إلى النار و هو الرحمن الرحيم ؟فتأتي هذه الاية لتجيب عن هذه الشبهة .فالرحمة الإلهية تشمل العباد ماداموا مؤهلين لتلقي الحرمة الإلهية فكيف بهم إذا حرموا أنفسهم من رحمة الله تعالى .إن الرحمة الإلهية تشمل المذنبين من العباد ماداموا يعربون عن ندامتهم ويعزمون على التوبة النصوح عندها يجدون الله توابا رحيما .
إن المجرم المذنب المصر على ارتكاب المعاصي والظلم والذي لا يخطر بباله التوبة إلى الله تعالى حاله كمن أغلق باب الرحمة الإلهية بوجهه وفتح باب العذاب والهوان فلا خلاص له يوم القيامة من عذاب إليم .
مثل هؤلاء كمثل الشخص الذي وقف على حافة الهاوية و هو لا يصغي إلى نصيحة الأخرين في الإبتعاد عن الهاوية واللجوء إلى مكان آمن كي لا يسقط فيها .
ترشدنا الأيتان إلى نقاط مهمة منها :
- إن الرضوخ للهداية الإلهية أمر اختياري ولا جبر فيه لأن الإيمان المبني على أساس الجبر لا قيمة له اساسا .
- إن الرحمة الإلهية الواسعة لا تعني أن الله سوف لا ينتقم من المجرمين والظالمين .
- إن الله تعالى لا ينسى عباده أبدا إلا إذا نسي العبد ربه فقد مهد لنسيان الله له .
- إن نسيان المعاد هو السبب وراء ارتكاب الإنسان للذنوب والمعاصي و بالتالي سيجعله مستحقا لعذاب أليم .
أيها الأحبة ها قد وصلنا إلى ختام حلقة أخرى من برنامج نهج الحياة سائلين الباري تعالى أن يجعلنا ممن يهتدون بهدي القران ويجعلونه نبراسا ومنهجا لحياتهم آمين رب العالمين . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.