بسم الله الرحمن الرحيم وصل الله على سيدنا محمد واله الطاهرين السلام عليكم احبتنا المستمعين ورحمة الله وبركاته . يتجدد لقاءنا بحضراتكم ضمن حلقة جديدة من برنامج نهج الحياة إذ نواصل التدبر بتوفيق الله تعالى في الايات 17 إلى 19 من سورة لقمان المباركة نتمنى أن ترافقونا مشكورين والبداية مع الإنصات للآية 17 من سورة لقمان ..
يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴿١٧﴾
تابعنا في الحلقة الماضية بعضا من النصائح التي وجهها لقمان إلى ابنه . في هذه الآية وبعد أن يؤكد لقمان على ابنه أهم الأسس و الضرورات العقائدية ألا و هو التوحيد يتطرق إلى أهم القضايا العبادية والاجتماعية فيقول لابنه :" يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاة" فالصلاة مستمعينا الكرام تجسد أهمّ علاقة وإرتباط مع الخالق، وهي تنوّر القلب، وتصفّي الروح، وتضيء الحياة، وتطهّر الروح من آثار الذنب، وتقذف نور الإيمان في أنحاء وجودالانسان ، وتمنعه عن الفحشاء والمنكر.
و لكن الصلاة لوحدها لا تكفي لأنها تخص الفرد نفسه فالانسان كائن اجتماعي و عليه أن يهتم بمجتمعه أيضا ليرى المجتمع هو الاخر الخير والبر والسعادة . لذلك فإن لقمان يأمرابنه بعد الصلاة بأهمّ دستور إجتماعي، أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيقول: (وأمر بالمعروف وانه عن المنكر). ومن المسلّم أنّه توجد مشاكل وعقبات كثيرة في سائر الأعمال الإجتماعية، وخاصّة في مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن المسلّم أيضاً أنّ أصحاب المصالح والمتسلّطين، والمجرمين والأنانيّين لا يستسلمون بهذه السهولة، بل يسعون إلى إيذاء وإتّهام الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، فماذا يفعله الانسان ؟ .. "وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ " آجل الصبر فلا يمكن الإنتصار على هذه المصاعب والعقبات بدون الصبر والتحمّل والإستقامة أبداً.
نستلهم من الآية المباركة دروسا منها :
- لا بد و أن يتحلى الإنسان بالصبر وبسعة الصدر في أدائه لواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لأن في النهي عن المنكر سيواجه مصاعب يضعها امامه أهل المعاصي ، فلا ينبغي له أن يتراجع .
- تعلمنا الأية وجوب تربية الأبناء من خلال الأمر بالصلاة لكي يكونوا مؤمنين و ربانيين و أن من واجب الآباء التأكيد على أولادهم إقامة الصلاة .
- ينبغي تربية الأولاد على تحمل دورهم تجاه القضايا الاجتماعية و هذا ما يتجسد في القيام بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعد أن تم تعريفهم على حقيقة المعروف والمنكر . فاصل
و الان أيها الكرام ننصت إلى الاية 18 من سورة لقمان المباركة:
وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴿١٨﴾
في هذه الاية المباركة نجد أن لقمان انتقل إلى المسائل الأخلاقية المرتبطة بالناس والنفس، فيوصي أوّلا بالتواضع والبشاشة وعدم التكبّر، فيقول: (ولا تصعّر خدّك للناس) أي لا تعرض بوجهك عن الناس (ولا تمش في الأرض مرحاً إنّ الله لا يحبّ كلّ مختال فخور). والفرق بين كلمتي المختال والفخور، أنّ الاُولى إشارة إلى التخيّلات الذهنيّة للكبر والخيلاء، أمّا الثّانية فهي تشير إلى المصاديق العملية التي تظهر علي سلوكيات الفرد المتكبر .
إنّ لقمان يشيرهنا إلى صفتين مذمومتين جدّاً و اللتين تؤديان إلى قطع الروابط الإجتماعية : إحداهما التكبّر وعدم الإهتمام بالآخرين، والاُخرى الغرور والعجب بالنفس، وهما مشتركتان من جهة دفع الإنسان إلى عالم من التوهّم والخيال ونظرة التفوّق على الآخرين، وإسقاطه في هذه الهاوية، وبالتالي تقطعان علاقته بالآخرين وتعزلانه عنهم، خاصّة وأنّه بملاحظة الأصل اللغوي لـ "صعّر" يتّضح أنّ مثل هذه الصفات مرض نفسي وأخلاقي، ونوع من الإنحراف في التشخيص والتفكير، وإلاّ فإنّ الإنسان السوي من الناحية الروحية والنفسية لا يبتلى مطلقاً بمثل هذه الظنون والتخيّلات.
النقطة الأخرى التي تشير إليها الأية المباركة هي طريقة المشي فيما بين الناس فهناك من الناس من يمشي بتكبر و خيلاء و كأنه سيد الكائنات جميعا وعلى الأخرين أن يخضعوا له ويركعوا امامه .تشير الاية إلى بعض الدروس منها :
- إن بشر الوجه سلوك المؤمن مع المسلم وغير المسلم لأن لقمان ينهى ابنه أن يصعر خده للناس وفيهم المسلم وغيره .
- ينبغي تربية الأولاد منذ البداية على التواضع والإبتعاد من الكبر والغرور كي لا يصابوا بالأمراض الخلقية والروحية .
والان احباءنا نستمع معا إلى تلاوة الاية 19 من سورة لقمان ..
وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴿١٩﴾
يبيّن لقمان في هذه الآية أمرين وسلوكين أخلاقيين إيجابيّين في مقابل النهيين عن سلوكين سلبيين في الآية السابقة فيقول: " واقصد في مشيك "أي ابتغ الإعتدال في مشيك "واغضض من صوتك إنّ أنكر الأصوات لصوت الحمير" أي ابتغ الإعتدال كذلك في كلامك ولا ترفع صوتك عالياً.
فبعد أن نهى لقمان ابنه من "التكبّر" و "العجب"، في الاية السابقة يوصيه في هذه الاية بأمرين أخلاقيين هما الاقتصاد في المشي أي رعاية الإعتدال في العمل والكلام والغض من الصوت فلا تظن أن الناس يعجبون بالصوت المرتفع لذا عليك باتخاذ الوسطية في إطلاق الصوت .
التطرق إلى صوت الحمار هو لانّه أقبح من كلّ الأصوات العاديّة التي يسمعها الإنسان، وبه شُبّهت صرخات ونعرات المغرورين .
تعلمنا الاية دروسا منها :
- من القضايا التربوية التي ينبغي على الوالدين تربية الأولاد عليها هي مراعاة الأداب الاجتماعية مثل طريقة المشي والحديث مع الناس .
- الالتزام بالطريقة الوسطية و الابتعاد عن الافراط والتفريط هي من الأمور أكدها الله تعالى في القران الكريم .
- إن رفع الصوت والصراخ هما من الأعمال المنبوذة عند الله تعالى فينبغي خفض الصوت و اجتناب الصراخ في غير محله والالتزام بالهدوء والوسطية في التعبير.
الى هنا نصل الى ختام وقفتنا عند هذه الايات المباركة من سورة لقمان المباركة حتى الحلقة القادمة نستودعكم الله الذي لا تضيع عنده الودائع والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.