بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمج حمد الشاكرين، وصل وسلم على النبي الأمين وآله الأطهرين.
إخوة الإيمان سلام من الله عليكم وأهلاً بكم في لقاء جديد وحلقة جديدة من برنامج نهج الحياة وتفسير آي أخر من سورة الروم المباركة.
في مستهل الحلقة نصغي لقوله تعالى:
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّـهِ ۖ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ ﴿٤٣﴾
تقول الآية التي تحمل الرقم ثلاثة وأربعين: فعليك التوجه لهذا الدين القويم، قبل فوات الأوان ومجيء يوم القيامة الذي لابد منه ولا مفر من حساب ذلك اليوم الذي يتفرق فيه الناس جميعاً.
من خصوصيات دين الإسلام، مطابقته للهقل والمنطق وفطرة الناس وانسجامه مع ما تقدم. على هذا، كما هو في الآية يعرض الإسلام ديناً حصيناً ومحكماً في مبانيه، ويلحظ كل المصالح الفردية والإجتماعية. بديهي أن آثار هذا الدين وبركاته تعم المجتمعات الإسلامية حالما نتوجه بكلها لهذا الدين القيم وتعمل بتعاليمه وتوجيهاته في كل شؤون الحياة، لا تأخذ ببعض من هذه التعاليم والتوجيهات وتتخلى عن البعض الآخر كيفما تريد ويحلو لها. لو أن الإنسان علم قصر فرصته في الحياة الدنيا ومدى سرعة وصوله خط النهاية، لسعى وعمل جاهداً إلى استثمار هذه الفرصة والإستفادة منها قدر المستطاع تفادياً للندم أو الحد من الندم على تضييع فرصة الحياة وما أقصرها.
فمما يميز يوم القيامة تفرق الناس فرقاً وجماعات في ذلك اليوم المحتوم، ففيه، أي يوم القيامة ينحرف طريق المؤمنين ويتفرق عن طريق الكافرين والمنحرفين جداً عن سبيل الرشاد.. فكل من الفريقين يذهب في طريقه.
أفادتنا الآية:
- وجوب التوجه الجاد والشامل للدين وتعاليمه، لا ان يكون هذا التوجه أو الإهتمام بالدين هامشياً، مرحلياً أو موسمياً.
- ما ينجي المجتمع ويجنبه الأضرار والصدمات الأخلاقية والإجتماعية، التوجه بمعنى الكلمة الى التعاليم والإرشادات الدينية.
والآن إخوتنا الكرام نبقى مع الآيتين المباركتين الرابعة والأربعين والخامسة والأربعين من السورة:
مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ۖ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ ﴿٤٤﴾
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِن فَضْلِهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴿٤٥﴾
من الناس من كفر فيحاسب عليه ويعاقب، ومنهم من عمل صالحاً فلنفسه ويثاب عليه، وبعمله الصالح هذا يجهز قره مسبقاً بما يحتاجه لأسنه وراحته ليجزي الله من فضله المؤمنين من الناس ومن يعملون الصالحات فإنه تعالى لا يحب الكافرين.
في الآية المتقدمة، يتفرق الناس فرقاً وجماعات ويفصل المؤمنون عن الكافرين.. وقوله تالى في هذه الآية: ما يجزى عليه الإنسان ويعاقب نتيجة ما عمله في الحياة الدنيا، فالكفر، فيه مضرة وأذى للإنسان وفي الآخرة يجعل له مقراً في نار جهنم، أما العمل الصالح، فيثاب عليه وله في الآخرة المقام المحمود من هدوء وسكينة وجنة النعيم.
طبعاً يعاقب الكافرون على قدر كفرهم وقبائح أعمالهم، أما المؤمنون فإنهم يتمتعون الى جانب ما يجزون عليه أي على صالح أعمالهم، بلطف من الله ورحمته الخاصة وسعة فضله وكرمه سبحانه وتعالى .. أي، ما يحرم عنه الكافرون.
أفهمتنا الآيتان:
- لا يفيد الله إيمان الإنسان ولا يضره كفرهم، بل إن نفع ذلك أو ضره لا يعود إلا على أنفسهم.
- موقف الله مع الكافرون، أساسه العدل. ومع المؤمنين ومن يعمل صالحاً قائم على الفضل.. فضله هو جل وعلت قدرته.
وحان الآن إخوتنا الكرام الوقت لنصغي لقوله تعالى في الآية السادسة والأربعين من سورة الروم المباركة:
وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿٤٦﴾
ومن آياته ودلالات قدرته وحكمته، إرسال الرياح مبشرات بهطول الأمطار ليذيقكم بعضاً من رحمته، وجري السفن وإبحارها بأمره وطلبكم أنتم كذلك الرزق من فضله، لعلكم تشكرون.
تعود الآية مرة أخرى لآيات التوحيد المتصدرة لسورة الروم، وتسير لنظام الكون أو عالم الوجود المتناسق وتقول: لو أنكم نظرتم الى السماء والأرض وظواهر الطبيعة من ريح ومطر وما يحدث في الأرض دائماً وأبداً، لأدركتم قدرة الله وحكمته ووحدانية خالق الكون. لأدركتم أن الله يمنح بهاتين الظاهرتين البسيطتين كما يبدو، الحياة لكائنات واحياء من نبات وحيوان وإنسان ويهبها ما تحتاجه، في كل نقاط المعمورة. فالزراعة وتربية المواشي مصدرا تغذية الإنسان، فإنهما مدينتان لريح والمطر، الى ذلك فإن الوسيلة الأفضل والأنجح لنقل المحاصيل الزراعية وما تقدم ذكره قديماً وفي العصور الغابرة وعصرنا الحاضر أيضاً، إنما هي السفن الجارية في البحار والمحيطات في كل أرجاء العالم.
لكن ما يؤسف له عدم إكتراث عامة الناس لهذه النعم الإلهية الكبرى التي لا تحصى عداً ولا عدداً باعتباره أموراً طبيعية ما يخال أنها تحدث ذاتياً وإن ما من علية لها درو يذكر في تهيئة هذه الأشياء ووضعها في خدمة الإنسان.
دروس الآية:
- الريح وهي عامل حركة السحاب ونقله من مكان لآخر فوق الكرة الأرضية، فإنها برحمة الله تنقل مصادر المياه العظيمة عبر الهواء للنقاط اليابسة من هذه الكرة وتروي الأراضي الظمأى.
- تجر السفن بإذن الله وإرادته حقاً، لا بإرادة الربان، فإنه بوصفه قوانين الطبيعة قد أتاح للسفن التحرك فوق سطح الماء..
- السعي للحصول على الكسب ولقمة العيش من وصايا القرآن الكريم وهذا ما يوجب بطبيعة الحال، الشكر لله باعتباره هو الرزاق لا أحد سواه.
الى هنا، أيها السادة الإخوة والأخوات، نكون قد وصلنا لنهاية هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة.. ولنا لقاء إن شاء الله ..
فإلى ذلك الموعد نستودعكم الله والسلام عليكم.