البث المباشر

تفسير موجز للآيات 39 الى 42 من سورة الروم

الأربعاء 14 أغسطس 2024 - 15:57 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: الحلقة 738

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم لك الحمد حمد الشاكرين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين..

إخوة الإيمان سلام من الله عليكم ورحمته.. وأهلاً بكم في هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة وتفسير ما تيسر من سورة الروم المباركة.

 

بادئ ذي بدء ننصت وإياكم مستمعينا الأفاضل للآية التاسعة والثلاثين:

وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّـهِ ۖ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّـهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ﴿٣٩﴾

ما تقدمونه رباً، لينمو بين أموال الناس لا ينمو عند الله وما تقدمونه زكاة رضاً لرضا الله فيضاعفه الله جزاء ما قدمته أيديكم.

كدست الآية الأخيرة من الحلقة السابقة "فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل" على يد المعوزين والإنفاق على المحتاجين والفقراء. أما الآية هذه فإنها تقارن الإنفاق لوجه الله ولسواه سبحانه وتعالى، قائلة: إذا كان الإنفاق مرضاة الله لغرض آخر، فيضاعفه لكم الله أضعافاً مضاعفة. أما إذا كان إرضاء الناس لا لوجه الله، ولغاية أخرى، كزيارة قال الناس وإلحاق نصيب منه إليكم أيضاً، فلا أجر لكم على ما أنفقتم، لأنه لم يكن إرضاء لسبحانه تعالى.

فمن يقرض الناس أملاً في الحصول على الزيارة، فلا أجر له عند الله وإن كان قد قضى حاجة لهم.

دروس الآية:

  • المهم في الإنفاق أو القرض، هو النية والدافع لهذا الإنفاق أو القرض لا المقدار ونوع ما أنفق وما تم إقراضه.
  • ما يمنح الأعمال قيمتها وأهميتها، ما لها من دافع رباني وإلا لا قيمة لها ولا أهمية بدون هذا الرصيد أو الدعاية.
  • الدنيا، سوق يتعامل فيها مجموعة مع الناس رجاء الربح في الدنيا، ومجموعة تتعامل مع الله رجاء أجر الآخرة.

والآن نبقى مع الآية الأربعين من سورة الروم المباركة:

اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ۖ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُم مِّن شَيْءٍ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿٤٠﴾ 

 

هو الذي خلقكم، فرزقكم، ثم يميتكم ويحييكم من بعد ذلك، فهل من شركاء إتخذتموهم آلهة قادرين على شيء من ذلك؟ سبحانه وتعالى عما يشركون.

الآية تشير لدور الله لفذ في الكون أو عالم الوجود بقولها: خلقكم، رزقكم في الحياة الدنيا ومماتكم وإعادة خلقكم يوم القيامة بيد الله الواحد، فلم تشركون أنتم بالإله الواحد أشياء أو أشخاصاً ما؟ هل لهم دور بمثل هذه الأمور وما يعنيكم من شؤون؟ فلو فكر مشركو تلكم العصور وعصرنا الحاضر بهذه الأسئلة، لكانت الإجابة والرد عليهم كلا، أي: سلباً. ذلك أنهم يدركون بوضوح أن لا دور لما يعبدون في الحياة والممات ورزقهم.. فما يعبدونه إلا تأسياً بآبائهم وأجدادهم، باعتبار أن كل ذلك أشياء مقدسة وإن لم يك لها روح ولا تحرك ساكناً.

عظة الآية:

  • ماضي نحن بني الإنسان، حاضرنا ورزقنا بيد الله، فلنخلص له العبادة ولا نشرك بسبحانه أحداً.
  • نعلم جيداً أن ما في الطبيعة من أسباب، وسائل وقوانين ليست أموراً عرضية وإنما هي من عند الله وما خلق، وما من قدرة سواه جل وعلا مستقلة وقائمة بذاتها، فهي أعجز وأحقر من تخلق أصغر الكائنات.

والآن إخوة المحبة والإيمان نبقى لحظات مع قوله تعالى في الآيتين الحادية والأربعين والثانية والأربعين من سورة الروم المباركة:

ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴿٤١﴾

قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ ۚ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ ﴿٤٢﴾ 

 

ظهر ما ارتكبه الناس من المعاصي في بر الأرض وتجرها، ليذيقهم الله بعض ما كسبته أيديهم، لعلهم يتوبون عما فعلوه ويعودون الى الحق. فيا (محمد) قل لهم سيروا في الأرض وتنقلوا من مكان الآخر فانظروا كيف كان عاقبة من كانوا قبلكم، إذ كان أكثرهم مشركين.

تعقيباً لما تقدم من الآية عن سقم عقائد المشركين، تؤكد الآيتان المار ذكرهما: أن هناك صلة مباشرة بين ما يعتقده الناس وبين تعاطيهم مع المفاسد وضياع المفاهيم والإنحلال الخق في المجتمعات البشرية ترد كل المشكلات وما يعانيه الناس إنما هو الكفر والشرك بالله والإحجام أيضاً عن ذكره تعالى. فمن لا يستعين بالله ولا يتوكل عليه ...لا يتورع عن ارتكاب المعاصي والمناهي فيبقى ومن معه بعذاب ربه لا في الحياة الدنيا فحسب بل في الآخرة بنار جهنم.

ما يوصي به القرآن الكريم المسلمين، العودة الى التاريخ ودراسة ما يتعلق بمن سبقونا والنظر كذلك لحياة بعض من أقوام عصرنا الذين نحن فيه والإتعاظ بتبعات ما تعيشه المجتمعات من ذنوب ومعاصي وآثام وليعلم الناس ويدركوا أنهم يرون نتيجة بعض من أعمالهم في الحياة الدنيا لعلهم يعقلون ويعودون الى رشدهم ويتوبوا توبة نصوحاً.

في مختلف نقاط عالمنا اليوم، هناك آثار حضارات كبيرة ما زالت باقية ليومنا هذا، حضارات كانت قد تميزت في فترة ما مدى قدرتها وتراثها وحياتها الإستقراطية والإسراف والتبذير.. ولم يبق منها اليوم وبالأحرى من تلكم القصور والعمارات الفخمة إلا الخرائب والأطلال.

اللافت هو أن القرآن الكريم عزا أصول كل الذنوب والمفاسد الى الشرك، مؤكداً أن الشرك بالله الواحد القهار هو وراء كل هذا الضياع والمهالك وإن ما يسعد البشرية ويمنحها السكينة والإستقرار حقاً، هو التوحيد والعبودية له سبحانه وتعالى.

علمتنا الآيتان:

  • لقبائح الأعمال وسيئات الإنسان، أثرها في نظام الطبيعة توكيداً لهذه النقطة ألا وهي أن الشرك بالله وراء الضياع وهلاك المجتمعات البشرية.. وأن ما يسعدها ويضمن لها الهدوء والسكينة الحقة هو التوحيد والعبودية للإله الواحد جل وعلت وقدرته.
  • البيئة، براًكانت أم بحراً، أمانة الله بيد الإنسان فما من شك، أنه تعالى لن يسمح بأي تصرف أو تدخل في هذه الأمانة.
  • السير في الأرض والسياحة وبعبارة التنقل من نقطة لأخرى، مجد وفيه فوائد كبيرة إن كان هذا السير والتنقل هادفاً وفيه للناس دروس وعبر.. هذا ما أوصى به الإسلام.
  • إذا ما تعرض في مجتمع ما ناس كثيرون للإنحراف والفساد والإنحياز عن الطريق الحق والصراط المستقيم، لابتلى المجتمع ذاك بالعذاب الإلهي وسخط رب العالمين.. فيجب العدول عن ذلك.

 

وهكذا مستمعينا الأفاضل نكون قد وصلنا الى نهاية هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة شكراً للمتابعة.

نستودعكم الله على أمل اللقاءبكم في حلقة قادمة والسلام عليكم.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة