بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد حمد الشاكرين وصل وسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين المصطفى محمد وعلى آله الأطهرين.
إخوة الإيمان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم جميعاً في هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة وتفسير آي أخر من سورة العنكبوت المباركة.. هذه أولاً الآيتان السادسة والثلاثون والسابعة والثلاثون نستمع معاً:
وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّـهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴿٣٦﴾
فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴿٣٧﴾
بعد أن تحدث عن قصة نبيه لوط إنتقل الله تبارك وتعالى في هذه الآيات للحديث عن نبيه شعيب الذي أرسله إلى أهل مدين "فقال يا قوم اعبدوا الله" داعياً الناس ككل الأنبياء والرسل الى التوحيد والإعتراف باليوم الآخر، مؤملاً إياهم بثواب يوم الجواء ومحذراً عقابه وهو يحثهم على فعل الخير وطاعة البارئ جل وعلا ويحذرهم من عمل السيئات والإفساد في الأرض.. لكن قوم شعيب كما تقول الآية "فكذبوه" ولم يقبلوا منه ما دعاهم إليه فعاقبهم الله حيث يقول "فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين" باركين ركبهم ميتين.
ما بينته الآيتان:
- التوحيد والمعاد هما الأساس في دعوة الأنبياء والرسل كلهم.
- كان النبي شعيب عليه السلام يعامل الناس معاملة أخوية وودية، لا إستعلائية أو إستكبارية.
- ليس إرتكاب الخطايا أو الذنوب فحسب، ما يدعو لنزول البلاء والعذاب، فما ينزل العذاب والبلاء هو التمادي في ارتكاب ذلك عن وعي ودراية وعناد مع الحق وسبق إصرار.
والآن نصغي للآية الثامنة والثلاثين من سورة العنكبوت المباركة:
وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ ۖ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ﴿٣٨﴾
قوله "وعاداً وثموداً" إسمان منصوبان بفعل محذوف تقديره واذكر عاداً وثموداً الذين أهلكناهم كذلك جزاء لهم على كفرهم "وقد تبين لكم" معاشر الناس كثير "من مساكنهم" والمعنى: قد ظهر لكم يا أهل مكة من منازلهم بالحجر واليمن آية في هلاكهم "وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل" أي منعهم عن طريق الحق "وكانوا مستبصرين" أي يملكون التبصر والعقل الذي يهتدون به إلى سبيل الحق ولكنهم اتبعوا الشيطان فكانوا من المهلكين.
ما تعلمناه من الآية:
- وجوب حفظ التراث وما للأقوام الغابرة من آثار تاريخية ليكون آية بينة للأجيال اللاحقة وهبرة لهم والناس أجمعين.
- مهمة الشيطان، هي تزيين القبائح وسوء الأعمال فما يراه الإنسان المتبصر جميلاً ويستقبحه، يزينه له الشيطان ويستحسنه، مثل الإستعلاء أو التعالي والإستكبار والتفاخر بالمال والثراء، فإنها أمور يزينها الشيطان للإنسان تضليلاً له.
والآن بنقى مع الآيتين التاسعة والثلاثين والأربعين:
وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُم مُّوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ ﴿٣٩﴾
فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴿٤٠﴾
قوله تعالى "وقارون" أي وأهلكناه كما أهلكنا فرعون وهامان الذين جاءهم موسى بالبينات أي الحجج الواضحات من قلب العصا حية واليد البيضاء وفلق البحر وغيرها لكنهم استكبروا في الأرض أي طلبوا التجبر في الأرض ولم ينقادوا للحق "وما كانوا سابقين" أي ناصبين من عذاب الله كما ينجو السابق، وقارون هو الذي كان له "من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة" وفرعون هو القائل: أنا ربكم الأعلى، وهامان وزيره.. هؤلاء جاءهم موسى بالدلائل والبصائر، فأخذتهم العزة بالإثم فأهلكهم من له العزة جميعاً.
وقوله تعالى "فكلاً أخذنا بذنبه" يعني عاقبناهم بتكذيبهم الرسل "فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً" وهي حجارة أو ريح فيها حصى وهم قوم لوط وقوم عاد "ومنهم من أخذته الصيحة" وهم ثمود وقوم شعيب والصيحة العذاب وقيل صاح بهم جبرائيل فهلكوا "ومنهم من خسفنا به الأرض" وهو قارون "ومنهم من أغرقنا" كقوم نوح وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون" وبكفرهم وتكذيبهم الرسل ولماذا يظلم الله عباده؟ ألأنه في حاجة الى الظلم وهو غني عن العالمين؟ وكيف يظلم عباده وهو القائل "إن لعنة الله على الظالمين".
من دروس الآيتين:
- عاقبة الكبر والإستعلاء الهلاك ولا جدوى للمال والثراء والجاه والمقام وغير ذلك من الإمكانات في ذلك.
- يد الله هي العليا وما من قدرة تفوق قدرة سبحانه، فهو العلي القدير الذي قهر بقدرته كل شيء وذل كل شيء ولا حول ولا قوة إلا به هو العلي العظيم.
- عذاب لا يتمثل بشكل واحد.. بل يتعدى ذلك الى صور وأشكال شتى وكيفما يشاء جل وعلا.
- إن عاقبة الإنسان رهينة أعماله.. "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره"
الإخوة الأعزاء متابعي برنامج نهج الحياة الى هنا نأتي على نهاية هذه الحلقة موعدنا في لقاء جديد وحلقة جديدة.. نستودعكم الله والسلام عليكم.