بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد حمد الشاكرين، وصل وسلم وبارك على أفضل الأنبياء والمرسلين المصطفى محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
إخوة الإيمان أهلاً بكم في هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة وتفسير آي أخر من سورة العنكبوت المباركة.
نستمع أولاً للآيتين الرابعة عشرة والخامسة عشرة:
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴿١٤﴾
فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴿١٥﴾
لقد أرسل الله نوحاً الى قومه يدعوهم الى التوحيد فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً فلم يجيبوه وكفروا به، "فأخذهم العقاب الإلهي بالطوفان" جزاء على كفرهم فهلكوا " وهم ظالمون" لأنفسهم بشركهم وعصيانهم وأنجا الله نوحاً وأصحاب السفينة وهم الذين آمنوا به – فجعل الله ذلك آية للعالمين، أي للبشرية جمعاء الى يوم الدين.
أفهمتنا الآيتان:
- للإيمان والكفر، دورهما الأكيد في هلاك أقوام ونجاة آخرين في هذه الحيوة الدنيا.
- يؤكد القرآن، بإمكانية أن يعمر الإنسان طويلاً وأكثر من المألوف وربما ألف سنة أو يزيد، فأي غرابة في الإعتقاد بأن الإمام المهدي (عج) لا يزال حي يرزق منذ ألف ومأتي سنة.
يستدعي التبليغ للدين والترويج له، الصبر وطول الأناة طبعاً يجب عدم توقع إيمان غالبية الناس بفعل هذا التبليغ والصبر والإنتظار.
والآن نستمع للآيتين السادسة عشرة والسابعة عشرة من سورة العنكبوت المباركة:
وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّـهَ وَاتَّقُوهُ ۖ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿١٦﴾
إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّـهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ ۖ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿١٧﴾
إن دعوة إبراهيم عليه السلام هي دعوة كل نبي الإخلاص لله في كل شيء، نبذ الشرك بشيء صوره وأشكاله، والإيمان بأن الله هو المبدئ والمعيد، بيده الضر والنفع، ومن كذب هذه الدعوة وتولى عنها، فقد ظلم نفسه لأن في هذه الدعوة صلاح الإنسان ونجاته وسعادته في الدنيا والآخرة.
وإبراهيم هو ثاني الأنبياء من اولي العزم بعد نوح، وقوله تعالى "وإبراهيم إذ قال لقومه" معطوف على قوله "نوحاً" أي أرسلنا إبراهيم الى قومه فائلاً لهم "أعبدوا الله واتقواه" أي أطيعوا الله وخافوه بالإمتثال لما يأمر به سبحانه وينهى عنه "ذلكم خير لكم" أي ذلك التقوى "إن كنتم تعلمون" ما هو خير مما هو شر لكم.
أما قوله تعالى "إنما تعبدون من دون الله أوثاناً" أي الأصنام المصنوعة من حجارة لا تضر ولا تنفع "وتخلقون إفكاً" أي تفتعلون كذباً بأن تدعوا هذه الأوثان آلهة، ثم بين سبحانه عجز آلهة المشركين عن توفير رزق عابديها قائلاً: "إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقاً" فمؤدى هذا الإحتجاج الإلهي هو: أن ما تعبدونه من أوثان وما هو دون الله إنما تعبدونهم إرضاءً لهم ما يدعوهم لتوفير رزقكم لكنهم غير قادرين على ذلك، فالله هو الرزاق لا غير، فإنه هو الذي خلقكم وخلق لكم رزقكم ليكون ممداً لبقائكم والملك تابع للخلق والإيداع، لذا عقب قوله: "فابتغوا عند الله الرزق" أي أطلبوا الرزق من عند دون سواه لأنه هو وحده الذي يملك الرزق "واعبدوه واشكروا له" على ما أنعم به عليكم من نعم الحيوة والرزق وغيرهما "إليه ترجعون" أي إلى حكم الله تصيرون يوم القيامة فيجازيكم على قدر أعمالكم.
ما تعلمناه:
- لا خير في عبادة، لا يزينها التقى وتجنب المناهي والمعاصي والذنوب.
- من يعول على الغير ويتخذ دون الله ولياً في حياته المادية، إنما يكون قد ارتكب شركاً.
- إن الدين، مثلما يدعو الناس للعمل والجد والمثابر من أجل الراحة والرفاهية وتلبيسة الحاجات المادية ورغد العيش، فإنه يدعوهم كذلك الى الشكر لله وأن لا يعبدوا إلا إياه.
والآن نستمع للآية الثامنة عشرة من سورة العنكبوت المباركة:
وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ۖ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴿١٨﴾
تحكي هذه الآية الكريمة آخر خطاب إبراهيم الخليل (عليه السلام) لقومه بعد أن عرض عليهم دعوة التوحيد، وفيها تأكيد على أن الإنسان مخير في انتخاب طريق الهدى والرشاد.
أفادتنا الآية:
- لم يكن الأنبياء ملزمين بإجبار الناس على الإيمان، فكل ما كان عليهم هو التبليغ لا الإجبار.
- على المؤمنين أن لا يتوقعوا إيمان الناس كلهم، المطلوب منهم العمل بواجب التبليغ والهداية من الله تبارك وتعالى.
مستمعينا الأفاضل، إخوة وأخوات، إنتهت هذه الحلقة من برنامج نهج الحيوة موعدنا معكم في حلقة جديدة مرتقبة بعونه تعالى.
حتى ذلك الحين نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.