البث المباشر

تفسير موجز للآيات 8 الى 13 من سورة العنكبوت

الأحد 12 إبريل 2020 - 06:33 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: الحلقة 717

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم لك الحمد حمد الشاكرين، وصل وسلم على النبي المصطفى وآله الأطهرين.

إخوة الإيمان أهلاً بكم في هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة وتفسير آي أخر من سورة العنكبوت المباركة نستهله بالآيتين الثامنة والتاسعة من سورة العنكبوت المباركة:

وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ۖ وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۚ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٨﴾ 

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ ﴿٩﴾

 

أمر سبحانه بالإحسان الى الوالدين وإطاعتهما في كل شيء إلا فيما لا يرضيه، حيث لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

ثم خاطب سبحانه الناس فرداً فرداً فقال لكل إنسان "وإن جاهداك" وألزماك واستفرغا مجهودهما في دعائك لتشرك بالله في العبادة "فلا تطعهما" في ذلك. فإن دعوتهما الى الشرك بعبادة إله من دون الله دعوة إلى الجعل وعبادة ما ليسو له به علم إفتراء على الله وقد نهى سبحانه عن إتباع غير العلم.

روي عن التبي صلى الله عليه وآله: أن ثلاثة رجال لجأوا إلى غار في الطريق ليبيتوا ليلتهم فيه، فسقطت صخرة كبيرة منه سدت عليهم باب الغار، فبعد تفكير طويل لم يجد الرجال الثلاثة ما ينجيهم من الهلاك إلا الدعاء، ثم ذكر كل منهم عملاً صالحاً كان قد صنعه.. فذكر الأول بره بوالديه وتوفير الراحة لهما، فانفجرت الصخرة قليلاً، وذكر الثاني أنه صرف نفسه عن إمرأة وكفاها حاجة مهمة ووفرها لها، فانفجرت الصخرة قليلاً أيضاً، وقال الثالث: إن أجيراً كان يعمل عنده، فترك أجره ورحل، فاحتفظ له بأجره ونماه، فلما عاد الأجير إليه، وقد كثر الأجر وأصبح قطيعاً كبيراً من الأنعام أعطاه إياه، فانفجرت الصخرة تماماً، وخرجوا من الغار.

تعبر الرواية عن حقيقة الإسلام وجوهره لأنه يحصر سبيل النجاح في الدنيا والآخرة بصالح الأعمال، لا بالأقوال والمظاهر؛ وهؤلاء هم الذين يدخلهم الله الإدخال في زمرة الصالحين كالشهداء والأولياء أرفع بكثير من العفو اوالجزاء، فهو أشبه بقولك لمن أساء ثم أصلح وأخلص: لقد عفوت عنك، وأحسن إليك بكذا، وفوق ذلك أجعلك في عداد المصطفين الأخيار.

أفادتنا الآيتان:

  • البر بالوالدين والإحسان إليهما، مسألة إنسانية لا تقبل الجدل، ما يوجب خدمتهما والسهر على راحتها مسلمين كانا أم كافرين.
  • الدعوة الى الشرك، عمل لا مبرر له ويتصف بالجهل، ذلك أن الشرك يفتقر لكل الموازين والأسس والمبادئ العقلية والعلمية.
  • الأبناء لهم حريتهم في تحديد النهج أو السبيل القويم وانتخابه فلا خيار للوالدين في ذلك أي إجبار الأبناء على إنتهاج الطريق التي سلوكهما من قبل أو الطريق التي عليها الآن.

نستمع معاً الآن الى الآيتين العاشرة والحادية عشرة من سورة العنكبوت المباركة:

وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّـهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّـهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّـهِ وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ۚ أَوَلَيْسَ اللَّـهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ ﴿١٠﴾ 

وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ ﴿١١﴾

 

الآية الأولى ترسم صورة معبرة في كشف حقيقة أناس زين الشيطان لهم أنهم من أهل التقى والإيمان، فانطلقت عليهم الحيلة وصدقوا الشيطان في وساوسه وأحابيله، وأنهم من المتقين، وهم في حقيقتهم وواقعهم لا يعتقدون بشيء ولا يرون إلا منافعهم ومصالحهم الخاصة، ولا شيء أدل على أن إيمانهم وهم وسراب من تنكرهم للحق أو تجاهلهم إياه حين يخافون على أي شيء من مصالحهم، وهذه من صفات المنافقين ولذلك نجد في الآية الثانية تهديد وتقريع للمنافقين بما هو معلوم من حالهم التي إستهزأوا بها وتوهموا أنهم قد نجوا من ضررها بإخفائها فبين سبحانه أنها ظاهرة عند الله الذي يملك الجزاء عليها وإنه تعالى سيجزي المنافقين.

وقد استدل بالآيتين على أن سورة العنكبوت أو خصوص هذه الآيات مدينة وذلك أن الآيات تحدث عن النفاق، والنفاق إنما ظهر بالمدينة بعد الهجرة، وأما مكة قبل الهجرة فلم يكن للإسلام فيها شوكة ولا للمسلمين فيها إلا الإستضعاف والفتنة، فلم يكن لأحد منهم داع يدعوه إلى أن يتظاهر بالإيمان وهو ينوي الكفر.

ما تعلمناه من الآيتين:

  • من الناس من يؤمن بلسانه لا بقلبه.. ما يعني عدم الثقة بمن يزعم أنه مؤمن، ففي قوله : "وليعلمن الله الذي آمنوا وليعلمن المنافقين" إشارة إلى كون هؤلاء منافقين لأن إيمانهم قيدوه بعدم الفتنة والفتنة سنة إلهية جارية.
  • قد يكلف الإيمان أو المحافظة عليه وصونه صاحبه أحياناً، غالباً منه الصبر على الشدائد والمحن.
  • المنافقون، أناس إنتهازيون يفرون حتى ما تحسسوا الخطر ويظهرون الولاء متى ما زال الخطر وتبين لهم نصر الله وعدم وجود ما يهدد حياتهم أو مصالحهم أو ما يضمن لهم المكاسب والأرباح.

والآن نبقى مع الآيتين الثانية عشرة والثالثة عشرة من سورة العنكبوت المباركة:

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ ۖ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴿١٢﴾

 وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ۖ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴿١٣﴾ 

قال مشركو قريش للذين استجابوا لدعوة النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ما مضمونه: كيف تتبعون محمداً وتتحملون الكثير من أجله؟ دعوه وعود إلى ديننا، وإذا كنتم تخافون عذاب الله بعد الموت كما خوفكم محمد فنحن نتحمله عنكم.. قالوا هذا إستمالة لقلوب المؤمنين برسالة السماء وتطبياً لنفوسهم أن لو رجعوا إلى الشرك واتبعوا سبيلهم لم تكن عليهم تبعة على أي حال، لكن هذا مجرد إدعاء أجوف رده القرآن الكريم مؤكداً على أن كل من أضل غيره يحمل وزر نفسه، ووزر من غرر به، حيث تسبب في وجود الضلال وانتشارع، أما من يتبع المضل فإنه يحمل وزر نفسه كاملاً ولا ينقص منه شيء لأنه استجاب الى دعوة الضلال بسوء اختياره، وبكلمة للمضل عقوبتان: إحداهما على ضلاله هو، والثانية إضلال غيره، وللتابع عقوبة واحدة على عمله بالضلال مختاراً، أو ليسئلن اولئك المشركون يوم القيامة عما كانوا يفترون، بادعائهم الشريك لله وقولهم عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: إنه ساحر والعياذ بالله وأيضاً قولهم للمؤمنين: إتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم ونظائر ذلك.

أفادتنا الآيتان:

  • لا يتخلى الأعداء والكافرون عن المؤمنين ولا يتركونهم وشأنهم، ولا ينفكون عن ملاحقتهم ومضايقتهم بالتعذيب والأذى حيناً وبالوعود الكاذبة حيناً آخر أملاً في العدول عن إيمانهم والعودة الى الكفر والشرك اللذين كانا عليهما.
  • أما من يضل سواه، فإنه يشاركه في شركه ويتحمل مسؤولية وذنب من أضل وغرر به، طبعاً هذا لا يقلل من ذنب المضلل به.

وهكذا أيها الإخوة الأفاضل نأتي الى نهاية هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة، على أمل اللقاء بكم في حلقة جديدة نستودعكم الله جميعاً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة