بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد حمد الشاكرين، والصلاة والسلام على خير الورى محمد المصطفى وآله الأطهرين.
إخوة الإيمان أهلاً بكم في هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة وتفسير آي أخر من سورة القصص المباركة، نستهله بالآيتين التاسعة والسبعين والثمانين، نستمع:
فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴿٧٩﴾
وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّـهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ﴿٨٠﴾
ذكرت الآيات السابقة لهاتين الآيتين الى أن قارون كان من قوم موسى عليه السلام ويدين بدينه، فبغى على القوم وطغى وتجبر بكثرة كنوزه، متنكراً لدينه وما من به الله عليه.
وتشير هاتان الآيتان لإحدى تصرفات قارون المشينة، والتي كثيراً ما نشاهدها في مجتمعاتنا نحن اليوم أيضاً، فقد نفخ الشيطان في أنف قارون، وأخذته العزة بالإثم، وجمع خدمه وحشمه وركب في موكب فخم يعرض على الناس ثراءه وكبرياءه وتحدياً للذين وعظوه وحذروه من سكرات الترف والبغي، وقيل أنه خرج في أربعة آلاف دابة يمتطيها أربعة آلاف فارس وعليها الأرجوان وهو الصبغ الأحمر، وقيل خرج في جوار بيض على سرج من ذهب على قطف أرجوان على بغال بيض عليهن ثياب حمر وحلي من ذهب.
ولما رآه الناس "قال الذين يريدون الحياة الدنيا" من ضعيفي الإيمان بما للمؤمنين عند الله من ثواب الجنة لما رأوه في تلك الزينة "يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم" أي ذو نصيب وافر من الدنيا، أي إنهم تمنوا أن يكون لهم مثل ترف قارون وأبهته ليغرقوا في الملذات والشهوات، لكنهم لو نظروا بعين البصيرة لقالوا كما قال أولو العلم "ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون" وضمير يلقاها يعود الى المثوبة والمنزلة عند الله التي دل عليها سياق الكلام، والمعنى: إن أهل العلم بالله قالوا الضعفاء الإيمان: لقد نطق الشيطان على ألسنتكم إن الله عند الله خير وأبقى وما اعتز أحد بغيره تعالى إلا أذلة وأخزاه، قال الإمام علي عليه السلام:
رب مغبوط في أول الليل قامت بواكيه في آخره، وقال أيضاً: ما قال الناس لشيء طوبى له إلا وقد خبأ له الدهر يوم سوء.
أفادتنا الآيتان:
- لا بأس باقتناء المال والثروة، ما لم يفض بصاحبهما الى التفاخر والزهر والإستعلاء واستحقار الآخرين، فإنه لبئس العمل القبيح.
- في حال ابتلاء الحكام بالإرستقراطية والإستعلائية لتأثرت المجتمعات بذلك واتجه الناس الى التجمل والتبهرج.
- حب الدنيا، منية ضعفاء العقول لا الذين أوتوا العلم والمؤمنين أو المصدقين لوعد الله.
- لا تقارن الدنيا بما فيها، بالجنة التي وعد الله بها الصالحين جزاء لهم، فحري بالعقلاء أن يحذروا الناس من التعلق بالدنيا وحب المال.
والآن نصغي وإياكم مستمعينا الأفاضل للآيتين الحادية والثمانين وما يليها من سورة القصص المباركة:
فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّـهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ ﴿٨١﴾
وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّـهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ۖ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّـهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ۖ وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴿٨٢﴾
تؤكد الآية أنه: لا ينجو ظالم من الخسف في الدنيا قبل الآخرة، وهذا لا ينحصر أن يكون الخسف بالأرض فقط، فيكون أيضاً بالخزي واللعن على ألسنة الخلائق، وقد دلتنا التجارب أن الظالم إذ نزل به القصاص والعقاب تخلى عنه وتبرأ منه كل الناس حتى أعوانه وأرحامه وحسبه هذا خسفاً ونكالاً وكان لنزول العذاب على قارون وجازاه على بغيه واستكباره وسعيد لإيذاء كليم الله موسى عليه السلام أثره في اعتبار الآخرين وردعهم عن تمني ما لم يقدره الله لهم.
أفهمتنا الآيتان:
- عاقبة التمرد والإستكبار والغرور، الحقارة والهلاك.
- كثرة المال والثراء لا تعصم من أمر الله وقضائه العادل.
عدم وجوب التسرع في الحكم في القضايا، فكما أفهمتنا الآية، تمني الذين يريدون الحياة الدنيا أن يكون لهم، مثل ما لقارون لأنهم نظروا الى الدنيا وزينتها، أما لما أصبحوا فإنهم ذهلوا عن عاقبة البغي والكبرياء فأدروا شاكرين الله الذي لم يؤتهم مثل ما أوتي قارون وغيره من الطغاة.
الى هنا مستمعينا الكرام نكون قد أتينا لنهاية الحلقة على أمل اللقاء بكم في حلقة جديدة نستودعكمالله والسلام عليكم ورحمته وبركاته.