بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد حمد الشاكرين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وآله الأطهرين.
إخوة الإيمان متابعي برنامج نهج الحياة السلام عليكم وأهلاً بكم في حلقة جديدة من البرنامج وتفسير آي أخر من سورة القصص المباركة.
نستهل هذه الحلقة بتفسير الآية السبعين.. نستمع معاً:
وَهُوَ اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَىٰ وَالْآخِرَةِ ۖ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿٧٠﴾
إستنكرت الآيات القرآنية السابقة لهذه الآية الكريمة كل أنواع الشرك بالله الواحد والآية هذه تؤكد التوحيد الخالص ما بالإشارة الى نفي الشريك له عزوجل فيما ينزله من النعم المادية والمعنوية على عباده أو الناس أجمعين، ولذلك فهو وحده المستحق للعبادة والحمد في الأولى والآخرة أي الحمد لله في الدنيا على فضله وآلائه وفي الآخرة على ثوابه وجزائه، ولله عزوجل الحكم النافذ بين عباده وفي كل شيء بكلمة "كن" التي بها يحكم سبحانه لأهل طاعته بالمغفرة والفضل، ولأهل معصيته بالشقاء.
تفهمنا الآية:
- العبودية لا تليق إلا بالذي يبدأ الخلق ويعيده.
- مرد حكم الله على الكائنات وحياة الإنسان تكويناً وتشريعاً، قدرته سبحانه في الخلق والملك.
والآن نصغي للآيات من الحادية والسبعين الى الثالثة والسبعين من سورة القصص المباركة:
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّـهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ اللَّـهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ ۖ أَفَلَا تَسْمَعُونَ ﴿٧١﴾
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّـهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ اللَّـهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴿٧٢﴾
وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿٧٣﴾
في هذه الآيات يبين سبحانه ما يدل على توحيده من خلال ذكر تدبيره عزوجل لنعمتي الليل والنهار، فقال لنبيه صلى الله عليه وآله ما مؤداه: قل لأهل مكة الذين عبدوا معي آلهة تنبيهاً لهم على خطئهم لو جعل الله عليكم الليل سرمداً دائماً "الى يوم القيامة" لا يكون معه نهار "من إله غير الله يأتيكم بضياء" كضياء النهار تبصرون فيه؟! فإنهم لا يقدرون على الجواب عن ذلك إلا بأنه لا يقوى على ذلك سوى الله فحينئذ تلزمهم الحجة بأنه لا يستحق العبادة إلا هو، ثم يذكر مثل هذا الإحتجاج فيما يرتبط بنعمة النهار واللافت هو أن سبحانه قال عند ذكر الليل: أفلا تسمعون، وعند ذكر النهار: أفلا تبصرون. لأن الليل يناسبه السمع والنهار يناسبه الإبصار.
ومرّ أيضاً: أن تعاقب الليل والنهار يستند مباشرة الى أسبابه الكونية، وإليه تعالى بالواسطة لأنه خالق الكون ومدبره بعلمه وحكمته.
أفادتنا الآيات:
- من السبل الأولى والأهم للتوحيد ومعرفة الله، البت في دراسة الطبيعة ونظام عالم الوجود وما يسود ذلك من نظم وتدبير الأمور، فحركة الأرض الوضعية ودورانها حول نفسها وظهور الليل والنهار، ما يدل بالتأكيد على قدرة الله.
- جعل الليل سباتاً والنهار معاشاً، أي الأول للراحة أو النوم والثاني من أجل السعي والعمل كسباً للقمة العيش.. قوله تعالى "وجعلنا الليل سباتاً والنهار معاشاً"
- في الجهود الرامية لتوجيه الناس وإرشادهم، لابد من الإستعانة بالأسئلة والإستفسارات التوعوية ليتسنى للمخاطب التفكير وإدراك الحقيقة.
- درك النعم، يوجب الشكر والإتيان للباري تعالى، إننا مدعوون لتعريف الناشئين والشباب على النعم الإلهية، تشجيعاً لهم على العبادة أكثر فأكثر.
والآن نستمع للآيتين الرابعة والسبعين والخامسة والسبعين من سورة القصص المباركة:
وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ﴿٧٤﴾
وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّـهِ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴿٧٥﴾
يعيد القرآن الكريم السؤال المطروح في الآية الثانية والستين من السورة قائلاً "ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون" تقدم تفسير ذلك فإنما كرر سبحانه ذكر النداء للمشركين بأين شركائي، تقريعاً لهم بعد تقريع.
وقيل لأن النداء الأول لتقرير إقرارهم على أنفسهم بالغي الذي كان القوم عليه ودعوا إليه والثاني للتعجيز عن إقامة البرهان على ما طولبوا به بحضرة الأشهاد، أما قوله سبحانه "ونزعنا من كل أمة شهيداً" فمعناه أخرجنا من كل أمة من الأمم رسولها الذي يشهد عليهم بالتبليغ وبما كان منهم، المراد بالشهيد شهيد الأعمال وهو النبي كما مر ليشهد عليهم يوم القيامة بتبليغ الرسالة وبما قابلوه من التكذيب والإعراض بعد إقامة الحجج عليهم وقطع جميع الأعذار.
والشهيد أيضاً وجمعه شهود وأشهاد، هم كما قيل عدول الآخرة ولا يخلو زمان منهم يشهدون على الناس بما عملوا وقوله عزوجل "فقلنا هاتوا برهانكم" أي حججكم على صحة ما ذهبتهم إليه ويذكر نتيجة هذا الإحتجاج بقوله تعالى "فعلموا أن الحق لله" أي فبهتوا وتحيروا لما لم يكن لهم حجة يقيمونها وأيقنوا أن الحق ما أنتم عليه وما أنزله الله وأن الحجة لله ولرسوله فلزمتهم الحجة لأن المشهود عليه إذا لم يأت بمخلص عن بينة الخصم، توجهت القضية عليه ولزمه الحكم وقوله "وضل عنهم" أي ذهب عنهم "ما كانوا يفترون" من الكذب وبطل ما عبدوه من دون الله تعالى.
ما تعلمناه من الآيتين:
- إعادة مشاهد يوم الحشر الى الأذهان في القرآن الكريم، تحذر من خطورة الشرك بالله وعواقبه... وإن عدم الإنتباه من أمر هو الإبتلاء أيضاً بهذا الشرك.
- الأنبياء وأولياء الله من شهود يوم الحساب لذا علينا الحذر كل الحذر، من الإخفاق في ذلك اليوم أمام الله ورسوله الذي نطمح كلنا الى شفاعته صلى الله عليه وآله وسلم في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
- الشرك ليس له ما يبرره أو يدعمه.
- يوم القيامة يظهر الحق وتتجلى الحقيقة كما هي.
إنتهت هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة، موعدنا معكم أيها الإخوة والأخوات الكرام في حلقة قادمة إن شاء الله.
فإلى لقاء قادم مرتقب نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمته وبركاته.