البث المباشر

تفسير موجز للآيات 64 الى 69 من سورة القصص

السبت 11 إبريل 2020 - 13:02 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: الحلقة 710

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم لك الحمد حمد الشاكرين وصل وسلم على الحبيب المصطفى محمد وعلى آله الأطهرين.

إخوة الإيمان أهلاً بكم في هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة وتفسير آي أخر من سورة القصص المباركة، نستهله بالآية الرابعة والستين:

وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ ۚ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ ﴿٦٤﴾

 

سبق أن أشرنا الى أن أئمة الكفر والشرك يتبرأوون يوم القيامة من أتباعهم وينكرون عليهم مسؤولية إغوائهم وتضليلهم كما تحدثت عن ذلك الآيتان السابقتان لهذه الآية وقوله تعالى "وقيل أدعوا شركاءكم" يعني الذين عبدتوهم من دون الله وزعمتم أنهم لينصروكم ويدفعوا عنكم عذاب الله، وإنما أضاف سبحانه الشركاء إليهم لأنه لا يجوز أن يكون لله شريك لكنهم كانوا يزعمون لله شركاء بعبادتهم إياهم ثم قال "فدعوهم فلم يستجيبوا لهم" أي فيدعونهم فلا يجيبونهم الى ملتمسهم أي ما يدعون إليه من طلب النجاة.

أما قوله "ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون" فتقديره لو أنهم كانوا يهتدون لرأوا العذاب وقد يكون التمني أي ليتهم يهتدون.

أفادتنا الآية:

  • علينا أن لا نعبد إلا الله وإلا لحرمنا رحمته يوم القيامة.
  • القيامة، هي يوم الحسرة، الذي يحشر الله المذنبين والضالين لكي يروا نتيجة أعمالهم وإنحرافهم، مثلما هي يوم حشر المؤمنين والصالحين لإدخالهم الجنان.

والآن نستمع الى الآيات البينات من الخامسة والستين الى السابعة والستين:

وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ﴿٦٥﴾ 

فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ ﴿٦٦﴾

 فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَىٰ أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ ﴿٦٧﴾ 

 

في ضوء ما تقدم من الآيات المبينة لحال المشركين يوم القيامة، تتحدث هذه الآيات عن إحتجاج الله سبحانه عليهم فيقول "ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين" أي ما كان جابكم لكم أريل إليكم من النبيين. وهذا سؤال تقرير بالذنب وهو نداء يجمع العلم والعمل معاً.

فإن الرسل يدعون الى العلم والعمل جميعاً فكأنه قيل لهم ماذا علمتم وماذا عملتم، ثم قال سبحانه "فعميت عليهم الأنباء يومئذ" أي فخفيت واشتبهت عليهم طرق الإجابة يومئذ فصاروا كالعمي لإنسداد طرق الأخبار عليهم كما تنسد طرق الأرض على العمي.

أما قوله سبحانه "فهم لا يتساءلون" فهو يعني لا يسأل بعضهم بعضاً عن الحجج وقيل لا يسأل بعضهم بعضاً عن العذر الذي يعتذر به في الجواب فلا يجيبون.

وقيل معناه: لا يتساءلون بالأنساب والقرابة كما في الدنيا كما قيل: لا يسأل بعضهم بعضاً عن حاله لشغله بنفسه، وقيل أيضاً: لا يسأل بعضهم بعضاً أن يحمل ذنوبه عنه.

ثم ذكر سبحانه التائبين ورغب في التوبة بعد التخويف فقال: "فأما من تاب" أي رجع عن المعاصي والكفر "وآمن وعمل صالحاً" أي شفع الإيمان بالعمل "فعسى أن يكون من المفلحين" أي فمن المرجو أن يكون من المفلحين وعسى وجوب من الله أو ترج من التائب، وقد يجوز أن يزل فيما بعد فيهلك.

ما تعلمناه من هذه الآيات.

  • لا يجد المشركون يوم القيامة ما يردون به على شركهم بالله الواحد، وعلى تكذيبهم الأنبياء.
  • تعمى على المشركين الأنبياء يوم القيامة، ويتعذر عليهم التساؤل وتعاطي الأفكار والمشورة للرد على ما يسألون عنه يومئذ.
  • أبواب الإنابة والتوبة في الإسلام مفتوحة أبداً، ما يمكن الكافرين متى ما شاؤوا من الرجوع عما هم فيه والإهتداء الى سبيل الرشاد وإنتهاج طريق الحق والصراط المستقيم.
  • فلاح الإنسان في ترك المعاصي والسيئات وعمل الصالحات.

نستمع الآن للآيتين الثامنة والستين والتاسعة والستين من سورة القصص المباركة:

 وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ۚ سُبْحَانَ اللَّـهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿٦٨﴾

 وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴿٦٩﴾

 

لما كان المفلحون كما في الآية "فعسى أن يكون من المفلحين" هم من يختارهم الله تعالى، فيكون الإختيار والخلق والحكم له هو القادر العالم على الكمال لذلك قال عزوجل: "وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة" والخيرة إسم من الإختيار أقيم مقام المصدر، والخيرة إسم للمختار أيضاً. يقال أن محمداً صلى الله عليه وآله هو خيرة الله من خلقه.

لمعنى الآية قولان، أحدهما: "وربك يخلق ما يشاء" من الخلق ويختار تدير عباده على ما هو الأصلح لهم ويختار للرسالة ما هو الأصلح لعباده.

ثم قال "ما كان لهم الخيرة" أي ليس لهم الإختيار على الله بل لله الخيرة عليهم؛ على هذا، تكون ما نافية، ويكون الوقف على قوله "ويختار" وفي هذا رد على المشركين الذين قالوا:

  •  نزل القرآن على رجل من القريتين عظيم، فاختاروا الوليد بن المغيرة من مكة، وعروة بن مسعود الثقفي من الطائف.
  •  أن يكون ما في الآية بمعنى "الذي" أي ويختار الذي كان لهم الخيرة فيه، فيكون الوقف عند قوله "ما كان لهم الخيرة" وهذا أيضاً في معنى الأول لأن حقيقة المعنى في القولين؛ إنه سبحانه يختار وإليه الإختيار لا لغيره. فلدى الإختيار يجب أن يكون وحده على علم بأحوال المختار، فالإختيار هو انتقاء الخير، فكيف ينتقي الخير من الأشياء من لا يعلم الخير فيها؟! "سبحان الله تعالى عما يشركون" أي تقدس وتنزه عن أن يكون له شريك في خلقه واختياره، وبعبارة عن شركهم بدعوى أن لهم خيرة بالنسبة الى ما يختاره تعالى قبولاً أو رداً.

فالخيرة بهذا المفهوم لا يتم إلا بدعوى الإستقلال في الوجود والإستغناء عنه تعالى ولا يتم إلا مع الإشتراك معه تعالى في صفة الألوهية.

ثم أقام سبحانه البرهان على صحة إختياره قائلاً "وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون" أي يعلم ما يخفونه وما يظهرونه فإليه الإختيار، ما يعني: أن من لا يعلم السر والجهر فلا اختيار له.

أفادتنا الآيتان:

  • خلق الكون وتدبير أموره، وكذا وضع القوانين واصطفاء الأنبياء ورسل السماء كل ذلك بيد الله.
  • من يتحدى قانون السماء، ويستبدل ذلك بالقوانين الوضعية وما جاء به البشر، إنما أشرك البشر مع الله في تشريع القوانين أو سنها.

الى هنا مستمعينا الكرام نأتي الى نهاية هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة، وموعدنا معكم في حلقة قادمة أن شاء الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة