بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد حمد الشاكرين والصلاة والسلام على حبيبك النبي الخاتم وعلى آله الأطهرين.
إخوة الإيمان، متابعي التفسير الموجز للقرآن الكريم أهلاً بكم في حلقة جديدة من برنامج نهج الحياة، وتفسير الآيتين الثالثة والثلاثين والرابعة والثلاثين من سورة القصص المباركة.
قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ ﴿٣٣﴾
وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ ﴿٣٤﴾
أشرنا في الحلقة السابقة لأمر الله تعالى مخاطباً موسى عليه السلام حين بصر ناراً من جانب الطور بأن يذهب الى فرعون ويدعوه قومه الى الإله الواحد لأنهم كانوا قوماً فاسقين أي متمردين على طاعة الله خارجين الى عظيم المعاصي وهو الكفر؛ فعرض موسى (ع) كما تشير الآيتان المتقدمتان مشكلتي قتله القطبي من شيعة فرعون وعقدة في لسانه تضعف بيانه فطلب أن يرسل معه أخاه هارون لأنه أفصح منه لساناً.
ما تعلمناه من الآيتين:
- لدى قبول المسؤولية، يجب الإفصاح عن نقاط الضعف وما يعترض المسؤولية من مشكلاته وعن المقترحات أو السبل الكفيلة بمعالجة هذه المشكلات.
- قوة البيان وفصاحة اللسان، من العوامل المؤثرة في استقطاب الأشخاص للدين الحق.
لدى القيام بالمسؤوليات الكبيرة لابد من الإستنجاد بمؤهلات الآخرين واستثمار الإمكانات كل منها في المكان أو الموقع المناسب، فلا داعي الأداء المهام كلها وحدنا دون الإستعانة بالغير.
الآن نستمع وإياكم إخوتا الأعزاء للآية الخامسة والثلاثين من السورة:
قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ۚ بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ ﴿٣٥﴾
إستجاب الله لدعوة موسى (ع) فنصره بأخيه هارون في مهمته الجسيمة المحفوفة بالمخاطر، ليتسنى بذلك كلتا المشكلتين.. وذلك بأن لا يجرؤ أولاً أحد على التعرض لموسى أو على قتله، وحضور هارون في مجلس فرعون ثانياً لبيان حقيقة الدعوة والسيطرة على فرعون وقومه بالمنطق والأدلة الدامغة ومعجزات السماء.
على هذا، اختار الله موسى، وهو الأخ الأصغر، نبياً، لما له من كمال الخلق والكتاب والشريعة، واختار أخاه الأكبر هارون نبياً أيضاً بوصفه الشخصية الثانية ناصراً ومعيناً له.
فموسى عليه السلام أدهش فرعون بمعجزاته وأخوه هارون بالبيان وفصاحة لسانه.
ما تعلمناه من الآية:
- لا يشترط تساوي أو تكافؤ العدد في طرفي الصراع بين الحق والباطل، فكم فاقت القلة وهزمت بقوة العقل والمنطق، كثرة الباطل.
- وجوب دعم أولياء الله والسائرين على درب الحق ومناصرتهم لكي لا يكون للظالم عليهم سلطة أو سلطان.
يتطلع حتى أنبياء الله الى الأمل والتفاؤل بالمستقبل في إبلاغهم رسالة السماء وصراعهم ضد الباطل، فقد وعد سبحانه موسى وأخاه هارون ومن معهما بالنصر والتفاؤل بالمستقبل.
والآن نبقى مع الآيتين السادسة والثلاثين والسابعة والثلاثين من سورة القصص المباركة:
فَلَمَّا جَاءَهُم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَـٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ ﴿٣٦﴾
وَقَالَ مُوسَىٰ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَن جَاءَ بِالْهُدَىٰ مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴿٣٧﴾
بلغ موسى عليه السلام برفقة هارون بلاط فرعون داعياً إياه ومن معه الى الإذعان للإله الواحد، وهو مدعوم ببرهاني ربه العصا واليد كما مر ذكر هاتين المعجزتين في الآيات السابقة، فقوله تعالى:
(فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات) أي فلما مضى موسى الى فرعون وقومه وجاءهم بآياتنا ومعجزاتنا الظاهرات (قالوا ما هذا إلا سحر مفترى) أي مختلق مفتعل بالسحر وأضافوا (وما سمعنا بهذا في آياتنا الأولين) أي لم نسمع ما يدعيه موسى ويدعو إليه من خالص التوحيد في آبائنا الذين كانوا قبلنا، فإننا ما سمعنا بهم أنهم صدقوا الرسل فيما جاؤوا به.
فقال موسى مجيباً لهم (ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار) والمعنى هو أن ربي يعلم إني جئت بهذه الآيات الدالة على الهدى من عنده، فهو شاهد لي على ذلك إن كذبتموني ويعلم أن العاقبة الحميدة لنا ولأهل الحق والإنصاف؛ فالله أعلم بالمحق منا والمبطل وحجتي ظاهرة، ثم قال (إنه لا يفلح الظالمون) أي لا يفوز بالخير من ظلم نفسه وعصى ربه وكفر نعمه.
علمتنا الآيتان:
- المعول في قبول التعاليم الدينية، العقل والمنطق والبرهان لا سيرة الأقدمين وما قاله الآباء والأجداد.
- كان الإتهام والإفتراء حربة مناوئي الأنبياء وسلاحهم الأهم على مدى التاريخ.
- إتباع الأنبياء والسير على نهج رسالتهم الهادية، ضمانة لسعادة الدنيا وحسن العاقبة.
مستمعينا الأفاضل، إخوة وأخوات، الى هنا نأتي لنهاية هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة.
فإلى حلقة جديدة قادمة نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..