البث المباشر

تفسير موجز للآيات 9 الى 13 من سورة القصص

الأربعاء 8 إبريل 2020 - 13:56 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج احياة: الحلقة 697

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم لك الحمد حمد الشاكرين، وصل وسلم على النبي المصطفى محمد وآله..

إخوة الإيمان.. أيها السادة والسيدات في كل مكان أهلاً بكم في برنامج نهج الحياة وتفسير آي أخر من سورة القصص المباركة.. نستهله بالآية التاسعة:

وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿٩﴾

 

مرّ في الحلقة السابقة من البرنامج أنه بينا كان فرعون وإمرأته آسية بنت مزاحم وهي من خيار النساء جالسين جنب القصر على شاطئ النيل، فإذا بهما يبصران تابوتاً أو صندوقاً سائباً فوق الماء، فأمر فرعون فأوتي به وفتحت آسية باب التابوت، فلما نظرت الى الرضيع ألقى الله محبته في قلبها، فلما نظر فرعون الى موسى غاظه ذلك قائلاً: كيف أخطأ هذا الغلام الذبح... لذا همّ الجنود بذبحه، إلا أن آسية قالت وهي جالسة الى جنب زوجها ما مضمونه: هذا الوليد أكبر من إبن سنة وإنك يا فرعون أمرت أن يذبح الولدان لهذه السنة فدعه يكن قرة عين لي ولك نحن اللذين لا ولد لنا.

قال فرعون: قرة عين لك، وأما لي، فلا.. وجاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله ما مؤداه لو أن فرعون أمر بأن يكون له قرة عين كما أقرت إمراته لهداه الله به كما هداها.

وعقبت آسية القول "لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً" قالت ذلك لما رأت في وجه موسى من آثار الجلال وسيماء الجذبة الإلهية.

وقولها: عسى أن ينفعنا.. يعني: عسى أن يرث هذا الوليد تاجك وعرشك وأسرتك أنت يا فرعون وقد تقدم بك العمر.

المقولة هذه فعلت بما فيها من عاطفة وحب وحنان ما فعلته في نفس فرعون الذي تخلى على أثرها عن قتل الوليد وأمر بإبقائه في القصر.

وقوله تعالى "ولا يشعرون" جملة حالية، أي: قالت إمرأة فرعون ما قالت وصرفت القتل عن الوليد، والقوم لا يشعرون ماذا يفعلون وما هي حقيقة الحال وما عاقبته؟ أو لا يشعرون أن هلاكهم سيكون على يدي هذا الوليد.. أو أنه المطلوب ومن يبحثون عنه.

في الحقيقة أنهم يجهلون التقدير الإلهي بأن يكون فرعون الطاغية هو نفسه من يحافظ على حياة عدوه ويحبط كل ذلك التواطؤ وما يخالطه لقتل ولدان بني إسرائيل.

أفهمتنا الآية:

  •  قدرة المرأة على تغيير مسار تاريخ الأمة ومصيرها، فإمرأة فرعون بمنعها قتل موسى أنقذت بني اسرائيل من ظلم الفراعنة وغيهم وطغيانهم وغيرت مسار التاريخ.
  •  إن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فلا إرادة إلا إرادته هو، فإن شاء سخّر القلوب كلها وليّن حتى الأكثر قساوة فيها، مثلما لين سبحانه قلب فرعون القاسي إزاء من كان هو قد أمر بقتله مثلما أمر بقتل كل ولدان بني اسرائيل، إنه لم يتخل عن قتل هذا الوليد أي موسى فحسب، بل كفله أيضاً.

والآن نصغي الى الآيتين العاشرة والحادية عشرة من سورة القصص المباركة:

وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا ۖ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿١٠﴾ وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ ۖ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿١١﴾ 

بعد أن ألقت أم موسى بإبنها في النيل والتقطه آل فرعون، فرغ قلبها من الخوف لكنها ما فتأت عن ذكر موسى وشوقها إليه وأوشكت أم موسى أن تظهر الأمر وتفشي السر وتصيح على إبنها شفقة عليه من الغرق "لو لا أن" الله ثبت قلبها بالربط أو الشد عليه "لتكون من المؤمنين" المصدقين بوعد الله والواثقين به سبحانه في حفظه، فإنها بدل أن تقدم على حركة مشكوفة، أوعزت الى ابنتها مريم أي أخت موسى بأن تراقب التابوت أو الصندوق عن بعد... فرأته أخت موسى وقد التقطه خدم فرعون.

علمتنا الآيتان:

  •  كتمان السر من خصائص المؤمنين، وإفشاؤه من علائم ضعف الإيمان خاصة لأعداء الدين المتربصين بالمجاهدين وبما لهم من أسرار ونوايا تمهيداً لتصفيتهم والتخلص منهم.
  •  الطمأنينة والسكينة والهدوء، من علائم الإيمان بالله وتصديق ما وعد به سبحانه.
  •  لا يعني الإتكال على الله، تجاهل الأمور وعدم التحرك أو عدم البت فيها، فإن أم موسى قالت وهي موقنة بالله لأخته: قصيه، عملاً بقاعدة (إعقل الناقة وتوكل على الله في حفظها).

والآن نبقى مع الآيتين الثانية عشر والثالثة عشرة من السورة:

وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ﴿١٢﴾ 

فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿١٣﴾

 

قوله تعالى "وحرمنا عليه المراضع" أي غير أمه من قبل أن تجيء أخته؛ فكلما أتوا موسى بمرضع لترضعه لم يقبل ثديها، فلما جاءت أخته ورأت الحال أي وجد آل فرعون به وحبهم له ورقتهم عليه، قالت: هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه.. أي يقبلون هذا الولد "وهم له ناصحون" يشفقون عليه وينصحونه، فانعموا لها بالقبول فدلتم على أمه فسلموه إليها.

ويروى أنه لما قالت أخت موسى ذلك، قال هامان: إن هذه المرأة تعرف أن هذا الولد من أي بيت هو، فقالت هي: إنما عنيت أنهم ناصحون للملك؛ فأمسكوا عنها.

كما يروى إن فرعون قال لأمه كيف ارتضع منك ولم يرتضع من غيرك؟ أجابت: لأني إمرأة طيبة الريح، طيبة اللبن لا أكاد اؤتى بصبي إلا ارتضع مني، فسر فرعون بذلك.

أفهمتنا الآيتان:

  •  وجوب التحلي بالفطنة والذكاء والدهاء أمام العدو وهو لا يعي ذلك، لمتابعة الغاية والهدف المنشود، فأخت موسى لم تتطرق لإسم أمه وجاءت بها الى آل فرعون كإمرأة مجهولة.
  •  علينا الثقة بوعود الله في الحياة الدنيا والحياة الآخرة وعدم مقارنة أعمال الله وتحديدها بالموازين والمعايير المادية.
  •  البنون سكن للأم وراحة لروحها، فمن يعزف منهن عن الإنجاب ظناً منها أن ذلك خير لها ومدعاة لراحة الفكر والبدن، فإنما تكون قد حرمت نفسها لذة مؤانسة البنين.

في ختام هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة نستودعكم الله مستمعينا الأعزاء.. وعلى أمل اللقاء بكم في الحلقة القادمة نرجو لكم أطيب الأوقات والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة