بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد حمد الشاكرين وصل وسلم وبارك على النبي الخاتم وآله الطاهرين..
إخوة الإيمان، السلام عليكم وأهلاً بكم في حلقة جديدة من برنامج نهج الحيوة، وتفسير آي أخر من سورة النمل المباركة، هذا أولاً تفسير الآيتين الثانية والثمانين والثالثة والثمانين:
وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ ﴿٨٢﴾ وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ ﴿٨٣﴾
تتناول هاتان الآيتان عقيدة (الرجعة) مؤكدة حقيقة أنه في هذه الدنيا وقبيل قيام الساعة، يبعث الله بعض من في القبور، فيتحدث أحدهم الى الجاحدين باليوم الموعود وناكريه، عن عنادهم وإعراضهم عن الحق وهم يرون الآيات هذه ومعجزات السماء.
فقضية إحياء الموتى في هذه الدنيا، سبق أن تحققت بمشيئة الله وأشار إليها القرآن أيضاً من ذلك أن أحد الأنبياء دعا ربه لأن يريه مشهد يوم القيامة فأماته ربه مائة عام ثم أحياه، الآية 259 من سورة البقرة تشير الى ذلك حيث يقول عز من قائل:
أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَـٰذِهِ اللَّـهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّـهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ ۖ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿٢٥٩﴾
وكذا الأمر بالنسبة لرجل بريء قتل فأحيي بعد ضربة بقطعة من بقرة بني اسرائيل هي كما تقول الآية إحدى وسبعون من سورة البقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها.
فمن معجزات السيد المسيح – عليه السلام – حسب الآيتين 243 و56 من السورة ذاتها إحياء الموتى في الحيوة الدنيا تقول الآية مائتان وثلاث وأربعون:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّـهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴿٢٤٣﴾
ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿٥٦﴾
أما الآية "وإذا وقع القول عليهم" والآية "ويوم نحشر من كل أمة فوجاً ممن يكذب بآياتنا" فتتحدثان بصراحة عن إحياء بعض ممن كانوا في غابر الزمن في هذه الدنيا على هذا لدرك آي القرآن في هذا الخصوص يجب الرجوع الى الروايات المؤكدة والموثوق بها.
فكلمة "دابة" مؤنث الداب؛ ما دبّ من الحيوان وغلب على ما يركب ويحمل عليه، ويقع على المذكر والمؤنث والتاء فيه الوحدة، وقلما تستخدم الكلمة هذه بخصوص الإنسان، أما في القرآن فقد وردت بحالتي المفرد والجمع، ما يعني أنها ذا مفهوم واسع يشمل الإنسان كذلك، كالآية الثانية والعشرين من سورة الأنفال:
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّـهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴿٢٢﴾
لا ريب أن المعنى بالدواب في الآية الشريفة الذين لا يعقلون؛ فهم صم بكم.
أما المراد في الآية الثانية والثمانين من سورة النمل "أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم" هي حسب الروايات أحد أبرز اولياء الله وتقول روايات: هو الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وقيل عن هذه الدابة إنها تخرج بين جبلي الصفا والمروة بمكة المكرمة فتخبر المؤمن بأنه مؤمن والكافر بأنه كافر، أي تتضح حقائق الإيمان ويفتضح النفاق ورموزه كما يشير لذلك قول الحديث الشريف في وصفها (لا يبقى مؤمن إلا مسحته ولا يبقى منافق إلا خطمته تخرج ليلة جمع والناس يسيرون الى منى) وعن هذه الدابة أيضاً سئل علي عليه السلام فقال: أما والله ما لها ذنب وإن لها للحية، وفي هذا إشارة إلى أنها من الإنس.
وفي الآية "ويوم نحشر من كل أمة فوجاً ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون" تظاهرت الأخبار عن أئمة العصمة والطهارة عليهم السلام في أن الله تعالى سيعيد عند قيام المهدي عجل الله فرجه الشريف قوماً ممن تقدم موتهم من اوليائه وشيعته ليفوزوا بثواب نصرته ويبتهجوا بظهور دولته ويعيد أيضاً قوماً من أعدائه لينتقم منهم وينالوا بعض ما يستحقونه من العذاب في القتل على أيدي شيعته والذل والخزي بما يشاهدون من علو كلمته وقد فعل الله في الأمم الخالية ونطق القرآن بذلك في عدة مواضع مثل قصة عزير وغيره.
تدلنا الآيتان على أن:
- إحياء الموتى، أمر لا يتحقق يوم القيامة فحسب، بل يتحقق في الحيوة الدنيا أيضاً، فمن يشك في ذلك إنما يشك في قدرة القادر جل وعلا.
- خاتمة الدنيا ستكون بحضور رموز الإيمان والكفر ليعزز المؤمن منها ويكرم، ويهان الكافر ويذل، وقد أشارت الآية "ويوم نحشر من كل أمة فوجا" الى اليوم الذي يحشر فيه قوم دون قوم، وليس ذلك صفة يوم القيامة الذي يقول فيه سبحانه "وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً"، والمراد بالفوج في الآية، الجماعة من الرؤساء والمتبوعين في الكفر حشروا وجمعوا لإقامة الحجة عليهم.
والآن نستمع لقوله عزوجل الآيتين الرابعة والخامسة والثمانين من السورة:
حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٨٤﴾
وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنطِقُونَ ﴿٨٥﴾
تقول الآيتان: ما إن يحشر أئمة الكفر والشرك حتى يحاسبهم الله على ذلك وتكذيبهم كتب السماء ومعجزات الأنبياء والرسل، بقوله تعالى "أكذبتم بآياتي" ولم تحيطوا بها علماً وارتكبتم الى جانب ذلك الكثير من سيء الأعمال نتيجة كفركم بآياتي.
طبيعي أن هذه الآيات وما يرونه من معجزات عند الرجعة تسد عليهم الطريق لإنكار الحق، ما يدعوهم في نهاية المطاف الى الإذعان للمؤاخذة والعقاب جزاء على ظلمهم الآيات ورسل السماء.
ما تعلمناه من الآيتين:
- ظهور ما يدل في آخر الزمان على يوم القيامة وإظهار أحقية مجموعات من الخواص الأخيار ومحاكمة طرائف من شرار الناس أمام محكمة العدل الإلهي بحضور أحد المقربين الى الخالق سبحانه.
- عدم إنكاروتكذيب أحد أو شيء دون بينة أو علم، وإلا يؤاخذنا الله على ذلك، لذا يجب أن تكون معتقداتنا وما نؤمن به مبنية على الوعي والإدراك واليقين والأدلة الدامغة.
الى هنا أيها الإخوة المستمعون نأتي الى نهاية هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة..
لقاؤنا التالي في حلقة جديدة من البرنامج إن شاء الله..
شكراً للمتابعة نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..