بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد حمد الشاكرين والصلاة والسلام على الحبيب محمد وآله الطاهرين..
إخوة الإيمان أهلاً بكم في هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة وتفسير آي أخر من شورة النمل المباركة، نستهلها بالآيات من التاسعة والعشرين الى الحادية والثلاثين:
قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ﴿٢٩﴾
إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ﴿٣٠﴾
أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴿٣١﴾
يؤكد ما تقدم من الآيات أن النبي سليمان عليه السلام لما علم بخبر سبأ وقومها الذين يسجدون للشمس من دون الله، ناول الهدهد كتاباً ليلقيه الى القوم والى الملكة بلقيس بالذات، ففعل الهدهد ما أمر...
وما إن استلمت الملكة كتاب النبي سليمان أدركت أن هذا الطائر الزاجل الجميل جاءها بالكتاب هذا من عند شخص ذي شأن كبير، فقرأت الكتاب على من حولها من أفراد الحاشية والمستشارين وذوي الرأي، إذ "قالت" لهم "يا أيها الملؤ إني ألقي إلي كتاب كريم" قالت ذلك لأن الكتاب كما قيل كان مختوماً، ولأنه تصدر بالبسملة ولحسن خطه وجودة لفظه وبيانه.
أيضاً لأنه كان ممن الأنس والجن والطير وكانت قد سمعت بخبر سليمان فسمته كتاباً كريماً لأنه من كريم رفيع الملك عظيم الجاه وإن الكتاب كما تقول الآية "من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم" والبسملة ههنا هي ما كتاب في الكتاب الذي اشتمل على نص "ألا تعلوا علي واتوني مسلمين" أي اشتمل على أمر من سليمان أن يأتوه مؤمنين بالله ورسوله مخلصين في التوحيد، فكما يعرف عن الأنبياء إنهم كانوا يكتبون كتبهم موجزة مقصورة على الدعاء الى الطاعة لله عزوجل.
ومما نستفيده من هذه الآيات:
- أن نبدأ يومنا وأعمالنا كلها بالبسملة، أي بسم الله الرحمن الرحيم، حتى في رسائلنا الى الكفار.
- التكبر، أو الإستكبار ما يحول دون الإذعان للحق... خاصة التكبر على أولياء الله فإنه يمهد لعدم الرضوخ للحق وما هو حقيقة مسلم بها.
والآن نصغي وإياكم مستمعينا الأعزاء للآيتين الثانية والثلاثين والثالثة والثلاثين من سورة النمل المباركة:
قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ ﴿٣٢﴾
قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ﴿٣٣﴾
لما وقفت بلقيس على كتاب سليمان استشارت أشراف قومها وقالت ما مضمونه؛ وأجيبوني بما عندكم من الرأي والحكم وإني لم أكن حتى اليوم أستبد برأيي في الأمور بل أقضي وأعزم عن استشارة منكم.
وهذا ملاطفة منها لقومها في استشارتهم فكان جوابهم عن ذلك أن قالوا: "نحن أولوا قوة" بجنودنا "وأولوا بأس شديد" بشجاعتنا "والأمر إليك" أي أنت صاحبة الكلمة الفصل في القتال وتركه تأمرين به نحن نطيعه، فإن أمرت بالصلح صالحنا وإن أمرت بالقتال قاتلنا.
ما تعلمناه من الآيتين:
- القدرة العسكرية والعدة والعتاد ما يلزم كل بلد وإدارة شؤونه والمحافظة على سلامته وأمنه وسيادته ووحدة أراضيه، طبعاً على أن لا يدفع ذلك الى الغرور والهيمنة وعدم الإذعان للحقيقة وما هو حق.
- المشورة في الأمور وخاصة ما يتعلق بالحكم، ضرورة ملحة إلا أن الكلمة الفصل أو اتخاذ القرار النهائي تعود لشخص واحد لا أكثر تحسباً لتشتت الأمور وعدم نظمها.
والآن نبقى مع الآيتين الرابعة والثلاثين والخامسة والثلاثين من سورة النمل المباركة:
قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ ﴿٣٤﴾
وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ﴿٣٥﴾
رأت بلقيس، كما تشير الآيتان، زيادة التبصر في أمر سليمان عليه السلام بأن ترسل إليه من يختبر حاله ويشاهد مظاهر نبوته وملكه فيخبرها بما رأى حتى تصمم هي العزم على الحرب أو السلم وكان الظاهر من كلام الملأ أن (قالوا نحن اولوا قوة واولوا بأس شديد) إنهم يميلون الى القتال، ما دفعها لذم الحرب، قولها في ذلك "إن الملوك إذا دخلوا قرية" أي عنوة عن قتال وغلبة، أفسدوها هلاكاً لأهلها وخراباً لما فيها من بناء ومظاهر الحياة.. وهذا معناه، أن الحرب لا تنتهي إلا الى غلبة أحد المتحاربين وفيها فساد القرى وذلة أعزتها.
فليس من الحزم الإقدام عليها مع قوة العدو وشوكته ما دام يوجه الى الصلح سبيل إلا لضرورة ولذلك اختارت إرسال هدية لمعرفة رد فعل سليمان، وهذا يدل على أن الملكة بلقيس إنما فعلت ذلك لأنها عرفت عادة الملوك في حسن موقع الهدايا عندهم وكان غرضها أن يتبين لها بذلك أنه ملك أو نبي فإن قبل الهدية تبين أنه ملك وعندها ما يرضيه وإن ردها تبين أنه نبي.
أفهمتنا الآيتان:
- إشاعة الفساد وإثارة الحروب وسفك الدماء ما يتبعه الحكام والحكومات غير الإلهية من أجل الهيمنة وإخضاع الغير لسلطتهم.
- لنتبصر ونعي ما يهدى إلينا، فقد يكون الغرض أحياناً تضييع حق أو اختبار لنا.
الى هنا مستمعينا الأفاضل نأتي لنهاية هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة..
على أمل اللقاء في حلقة جديدة وتفسير آي أخر من سورة النمل المباركة نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله..