بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد حمد الشاكرين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين المصطفى محمد وعلى آله الطاهرين.
إخوة الإيمان، أهلاً بكم في لقاء جديد من برنامج (نهج الحياة) وتفسير آي أخر من سورة الشعراء المباركة، نستهله بالآيات من المائتين والعشرة الى المائتين والإثني عشرة... نستمع معاً:
وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ ﴿٢١٠﴾
وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ ﴿٢١١﴾
إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ ﴿٢١٢﴾
رد سبحانه فيما تقدم من الآيات على تهم الأعداء وافتراءاتهم إنهم كانوا يزعمون أن النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – مرتبط بأحد الجن وهو الذي يعلمه هذه الآيات وهذا ما يرده جل جلاله بالتأكيد على عدم وجود ترابط أو تناسب بين المعارف القرآنية السامية والأفكار والإلقاءات الشيطانية فما يمكن للشياطين إنزال هذه الآيات لأنهم ليسوا مؤهلين لإنزال معارف كهذه أو إنزالها من عند الله على الأنبياء والرسل.. فإنهم ليسوا أهلاً لذلك، لأن الله هو لا سواه يحرس المعجزة عن أن يموه بها المبطل، فسبحانه إذا أراد أن يدل بها على صدق الصادق أخلصها بمثل هذه الحراسة فليس بمقدور الشياطين الذهاب بين الملائكة والوقوف على أخبار السماء.
لذا تعذر على الشياطين ولم يعد بمقدورهم إستراق السمع ونقل أخبار الغيب الى الإنسان بسهولة.
بينت لنا الآيات:
- إن القرآن له من القوة والقدسية والحراسة المميزة، ما يصونه ويحفظه من عبث العابثين ومن يريد النيل منه... فالشياطين غير مؤهلة لإستلام الوحي أو إرساله.
- بوسع الشياطين النزول على أوليائهم وإغوائهم وإلهامهم ما يريدون، أما على الأنبياء والأتقياء فلا.
والآن، نبقى مع الآيات من المائتين والثلاث عشرة الى المائتين والست عشرة من سورة الشعراء المباركة:
فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّـهِ إِلَـٰهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴿٢١٣﴾
وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴿٢١٤﴾
وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿٢١٥﴾
فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ ﴿٢١٦﴾
تخاطب الآيات الرسول وتدعوه الى:
- الصمود أمام كفر المشركين وعنادهم والى عدم ترك دعوتهم الى التوحيد.
- البدء بأقرب ذوي القربى في الإفصاح عن الرسالة والدعوة لنبذ الشرك والإقرار بوحدة الخالق.
- وتدعوه صلى الله عليه وآله – أيضاً الى اللين وحسن التعاطي مع الموالين ومن آزره من المؤمنين، لا كالملوك والسلاطين المتعالين على الرعية؛ فقوله تعالى: (واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين) أي: ألن جانبك وتواضع لهم وأغمرهم صباً وحناناً، وكن في التعامل معهم ودوداً كالطائر الذي يحتضن فراخه بين جناحيه بحنان الأمومة ورأفة الأبوة.
- فإن لم يستجيبوا لما تدعوهم إليه (فقل) لهم مفصحاً عن موقفك الرافض لكل صنوف الشرك (إني بريء مما تعملون) يعني من قبيح الأعمال وما تعبدون ما هو دون الله.
وتحدثنا كتب التاريخ أن النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد نزول هذه الآيات أقام وليمة لذويه الأقربين بينهم أبوطالب وأبولهب وحمزة، عند ذاك أي بعد أن فرغ الجميع من تناول الطعام لم يدع أبولهب إبن أخيه محمداً أن يسمع دعوته للحضور، فأربك المجلس في اليوم الأول وتفرق الحاضرون.
أولم النبي ثانية فأكل القوم حتى صدروا فخاطبهم صلى الله عليه وآله قائلاً: يا بني عبدالمطلب إني أنا النذير إليكم من الله عزوجل والبشير فأسلموا وأطيعوني تهتدوا فما أرجوه لكم خير الدنيا والآخرة ولا أرى أحداً يرجو لقومه خيراً مما أرجوه أنا وأتيت به إليكم.
فمن يؤاخيني ويؤازرني ويكون وليي ووصيي وخليفتي؟ فلم يجبه على ذلك إلا علي. فقال له الرسول أنت ثم خاطب القوم قائلاً: إعلموا أنه أخي ووصيي وخليفتي عليكم من بعدي، فاسمعوا قوله وأطيعوه.
هذا ما نقله معظم المؤرخين المسلمين والذي يبين نصرة ابن عمه علي ومؤازرته له منذ البداية وطلوع فجر الإسلام.
ما تعلمناه مما تقدم من الآيات البينات هو:
- أن الإسلام دين التوحيد، فمن اتبع غيره شقي وكان مصيره البؤس والعذاب، ذلك أن الشرك بالله الواحد كان وراء هلاك ألم خلت.
- إن أواصر القربى تزيد الإنسان مسؤوليات والتزامات، فمثلما للإنسان مسؤولياته والتزاماته إزاء أسرته في تقديم لوازم العيش، فهو أيضاً مسؤول عن هدايتهم وإرشادهم الى سواء السبيل.
- أن لا تحول روابط القربى دون الإلتزام بالواجبات وخاصة ما يتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- من الصفات الواجب توفرها في قادة المجتمع ومبلغيه، التواضع للمؤمنين خاصة والتودد إليهم.
- وجوب تموضع قادة المجتمع حيال خطوط التضليل والإنحراف و الإعلان عن موقف صريح إزاء ذلك.
وهكذا مستمعينا الأعزاء نأتي الى نهاية هذه الحلقة، على أمل اللقاء في حلقة جديدة وتفسير آيات أخرى من القرآن الكريم ضمن برنامج نهج الحياة، نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.