بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد حمد الشاكرين، والصلاة والسلام على خيرة الخلق وأشرف الأنبياء والمرسلين النبي الخاتم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
إخوة الإيمان... السلام عليكم وأهلاً بكم في هذا اللقاء وفي هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة وتفسير آيات أخرى من سورة الشعراء، فبادئ ذي بدء نصغي وإياكم الى الآيتين المائة وسبع وستين والمائة وثماني وستين من هذه السورة المكية المباركة:
قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ ﴿١٦٧﴾
قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ الْقَالِينَ ﴿١٦٨﴾
في الحلقة السابقة من البرنامج كنا مع الآية (أتأتون الذكران من العالمين) التي تستنكر على لسان لوط عليه السلام ما كان عليه قومه من الفساد وقبيح الأعمال، لكنهم بدل الإعتبار بمقولة نبيهم والرجوع عما هم فيه والتوبة الى الله (قالوا لئن لم تنته يا لوط) أي إذا لم ترجع عما تقوله ولم تمتنع عن دعوتنا وتقبيح أفعالنا وما نحن فيه (لتكونن من المدحضين) أي من المطرودين من بلدنا، كأنهم كانوا يعنفون من يخرجونه أو يطردونه من بلدهم، عند ذاك (قال) لوط عليه السلام (إني لعملكم من القالين) أي المبغضين الكارهين..
اللافت هنا هو أن النبي لوطاً لم يقل: أنا لكم مبغض كاره بل قال: مبغض لعملكم المنكر وهذا يعني ما مؤداه هو: إن أقلعتم عن هذا العمل القبيح، فأنا بدوري أستأنف ما كان بيننا من علاقات حب ومودة وإخاء، فعملكم القبيح هو الذي يعكر صفو هذه العلاقات، إذ لابد من التصدي له والحيلولة دون انتشاره.
تفهمنا الآيتان:
- نفي الرجال والصلحاء سبيل الجبابرة والطغاة من أجل التمادي بلا رادع أو وازع في عتوهم وطغيانهم وخطاياهم.
- عدم جواز السكوت عن المنكرات، ووجوب نبذها والتصدي لها قولاً وفعل.
- تأسياً بسيرة رسل السماء الذين كان اتكالهم على الله فحسب وعلينا نحن أيضاً العمل لما يرضي الله والدعوة الى ما هو حق، ودحض الباطل في كل زمان ومكان وأن لا نهاب ونخشى في ذلك أحداً إلا الله...
والآن نستمع الى الآيات التالية من سورة الشعراء المباركة وهي مئة وتسع وستون الى مئة وإحدى وسبعين:
رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ ﴿١٦٩﴾
فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ ﴿١٧٠﴾
إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ ﴿١٧١﴾
لقد أتم لوط عليه السلام بكثرة ما أنذر الحجة على المعاندين، لكنهم بالرغم من كل هذا الإنذار والترهيب والنصح والترغيب كانوا يكيدون لنبيهم وينوون التآمر عليه، فكما تشير الآيات دعا النبي لوط ربه قائلاً: (رب نجني وأهل مما يعملون)، فقد طلب عليه السلام من ربه الهداية الى سبيل النجاة لنفسه وأهله، من عاقبة ما يعمله قومه أي العذاب النازل بهم.
فاستجاب الله للنبي لوط عليه السلام كما يشير لذلك بقوله تعالى (فنجيناه وأهله أجمعين) أي من العذاب الذي نزل بالقوم نتيجة لعملهم القبيح ثم قال عزوجل (إلا عجوزاً في الغابرين) أي: إمرأة لوط التي كانت تدل أهل الفساد على أضياف زوجها فكانت من الباقين في العذاب... ذلك، أن الله أوعز الى لوط وأهله الخروج ليلاً من القرية ليبتعدوا عنها عند نزول العذاب. فخرج بأهله وفيهم من آمن، وتخلفت زوجته التي لم تعنه ولم تقف الى جانبه في محاربة الرذائل والمنكرات... فمكثت زوجة لوط بين القوم وابتليت كغيرها ومن بقي معها في القرية بالعذاب.
وما تعلمناه من الآيتين:
- وجوب تجنب البقاء في البيئة الملوثة والفاسدة، والتمهيد للإبتعاد عن مثل هذه البيئة أو إصلاحها.
- الضوابط وهي القوانين والأحكام العامة، فوق الروابط والحسب والنسب وأولى من وشائج القربى، على سبيل المثال: تهلك حتى زوج الرسول في حال انحرافها عن الصراط المستقيم ولا ينجيها من الهلكة هذه ما بينها وبين الرسول من هذه القرابة.
نبقى الآن مع هذه الآيات البينات من سورة الشعراء، أي: من الآية المائة واثنتين وسبعين الى الآية المائة وخمس وسبعين:
ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ ﴿١٧٢﴾
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا ۖ فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ ﴿١٧٣﴾
إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً ۖ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴿١٧٤﴾
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴿١٧٥﴾
بعد خروج النبي لوط عليه السلام ومن آمن برسالته من القرية ليلاً في جنح الظلام، ضرب القرية زلزال مدمر أهلك من تخلف فيها بمن فيهم إمرأة لوط التي كانت كما أسلفنا تدل الفاسقين على ضيوفه.
لم ينفرد الزلزال بتدمير القرية، بل أمطرها الله كذلك بقطع الحجارة الصغيرة بنحو كأنها تتساقط كالمطر على رؤوس القوم لتدفنهم تحت الركام والأنقاض وتبيدهم عن آخرهم.
عن كيفية هطول قطع الحجارة الصغيرة هذه، قال بعض المفسرين: هبت عاصفة مروعة بإذنه تعالى فصعدت هذه القطع الصغيرة من الحجارة الى السماء لتنزل كالمطر على رؤوس القوم.
ومن يقول أيضاً: إن فورة بركان كان خامداً أمطرت هذه الحمم البركانية.
تخلص هذه الآيات كغيرها من الآيات الختامية في قصص سائر الأنبياء والرسل الى أن مرد نزول العذاب هو إتمام الحجة على أكثر الناس، الذين لم يؤمنوا حتى بعد مشاهدتهم الآيات وكانوا يخططون ضد أولياء الله وأنبيائه ورسله – عليهم السلام-.
أفهمتنا الآيات:
- على المجتمعات الفاسدة أن تترقب تأنيب الخالق وعقابه، العقاب الذي قد ينزل بصور وأشكال شتى.
- وجوب الإنذار والتحذير للفاسدين إتماماً للحجة، فبدونهما لا ينزل العذاب.
- الطبيعة مسخرة من قبل الله وقدرته جل وعللا؛ القدرة التي تنزل المطر من السماء لقادرة على أن تنزل الحجارة أيضاً.
بإنتهاء هذه الحلقة، نستودعكم الله إخوة الإيمان جميعاً ونحن نترقب إستلام ردودكم ووجهات نظركم ومقترحاتكم بخصوص البرنامج.
الى اللقاء في حلقة أخرى من برنامج نهج الحياة وتفسير آيات أخرى من القرآن الكريم.