بسم الله الرحمن الرحيم.
تحية محملة بالشذى نبعثها لنبي الرحمة، محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم...
وتحية لكم مستمعينا الأفاضل... نرحب بكم في حلقة اخرى من برنامج نهج الحياة حيث نسعى للتعرف على تفسير سهل وميسر لآيات اخرى من كلام الله المجيد.
بدءاً نستمع الى الآية الرابعة والسبعين من سورة الفرقان:
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴿٧٤﴾
استعرضنا في حلقات سابقة سمات المؤمنين الصادقين، كما اوضحتها الآيات الشريفة السابقة على هذه الآية...
وها نقرأ في هذه الآية السمة او الخصوصية الحادية عشرة للمؤمنين، والتي تتحدث عن الاهتمام الخاص الذي يولونه لأسرهم، وتربية ابناءهم، وشعورهم بثقل هذه المسؤولية... ولذلك فهم يطلبون العون الالهي من اجل تربية جيل سليم وصالح... تربية ابناء يكونون قرة عين لهم اي يسرون برؤيتهم، ويتبدد بالنظر اليهم غمهم..!
ومن الطبيعي ان مثل هؤلاء الابناء، يتنسمون الهواء النقي وينمون في ظل اسر تقوم العلاقات بين ركنيها – الزوج والزوجة – على اساس من المبادئ الاخلاقية الحميدة والعواطف الانسانية النبيلة، ويرعى كل منهما واجباته تجاه الآخر و تجاه ابناءه، دون تقصير.
وفي ختام الآية الشريفة، نلاحظ اشارتها الى سمة بارزة من سمات عباد الله الصالحين، وهي انهم ليسوا من اهل العزلة والابتعاد عن المجتمع، بل انهم ومن خلال الحضور في الحياة العامة، يسعون الى توجيه المجتمع نحو الارتقاء والتسامي... فهم لايفكرون بأمر سعادتهم فقط، بل يعيشون همّ إسعاد الآخرين ايضاً... ويستمدون العون من الله، لان يجعل الآخرين ايضاً على الخط الالهي المستقيم بمعية المؤمنين وبامامتهم.
وهم – قبل ذلك – يتفانون في بناء انفسهم، حتى يكونوا نموذجاً واسوة للمؤمنين ونبراساً يضيء طريق الآخرين ايضاً.
ونتعلم في هذه الآية:
- في امر تربية الابناء، نحتاج واضافة الى الوعي التربوي اللازم، وبذل الجهد المطلوب في هذا السبيل الى الاستعانة بالله تعالى.
- الابن الصالح، هو نور عينيّ الابوين ومثار فخرهم واعتزازهم.
- ينبغي للزوج والزوجة، السعي لتوفير اسباب سعادتهما وان يسود نظرة بعضهما البعض، الحب والاحترام والمودة الصادقة.
- الجدير بزعامة وادارة المجتمع، هم عباد الله المطهرون المخلصون. وليس عبيد الدنيا، المتهافتين على طلب الرئاسة.
اما الآن فنستمع للآيتين الخامسة والسبعين والسادسة والسبعين من سورة الفرقان:
أُولَـٰئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا ﴿٧٥﴾
خَالِدِينَ فِيهَا ۚ حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ﴿٧٦﴾
هاتان الآيتان يأتيان بعد أن عدت الآيات السابقة عليهما اثنتي عشرة سمة وخصلة من سمات عباد الرحمن، لتشيرا الى مكانتهم في الجنة... ولتقولا: ان صبرهم واستقامتهم في مواجهة المصائب والمشاكل، وصمودهم وثباتهم حين القيام بواجباتهم هي التي رشحتهم لشغل ارقى منازل الجنة واحتفاء اهلها والملائكة...!
وهم سينعمون بحياة ابدية في الجنان، دون ان ينغص عليهم منغص.!
والنقطة الجديرة بالملاحظة هنا، تأكيد القرآن على الصبر، من دون الصفات الاثنتي عشرة التي ذكرها لعباد الرحمن... فهو في مقام بيان الجزاء الالهي لايلتفت ان اي من الصفات الاخرى – باستثناء الصبر – الذي يعده العامل الذي يفتح امامهم ابواب الجنان.
وعلة ذلك، لعلها ترتبط بان نيل الكثير من الكمالات من قبل غالبية الناس امر ممكن، لكن المحافظة عليها واستمرارها على امتداد العمر، امر ليس بالسهل، اذا ما استثنينا افراداً قليلين، ممن يتحلون بهذه الطاقة العظيمة، اي الصبر. ونستفيد من هاتين الآيتين:
- ان بلوغ عبودية الله يطلب صبراً ومجهوداً كبيرا... وليس بمقدور احد نيل القرب من الله من غير عزم راسخ.
- من خصوصيات المؤهلين للجنة، شيوع السلام والصفاء والمحبة بينهم.
نتابع بحثنا التفسيري هذا، بالاستماع الى تلاوة الآية السابعة والسبعين من سورة الفرقان:
قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ۖ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا ﴿٧٧﴾
هذه الآية التي هي خاتمة سورة الفرقان، تشير الى علاقة الدعاء والمناجاة باللطف والعناية الالهية، وكأنها تقول: ان الذي ينقذ الانسان من الوقوع في براثن الجزاء الدنيوي والاخروي، ليس سوى اللجوء الى الله، والتضرع والتوبة بين يديه...
طبعاً ان الكثير من الخلق متورطون في تكذيب الآيات الالهية.. وان الكفار والمشركين ينكرون الحق تعالى قلباً ولساناً... لكن المؤمنين: الذين سلموا بهذه الحقيقة قلباً، واقروا بها لساناً؛ تصدر منهم احياناً اعمال مخالفة لأمر الله تعالى، وهو مايعد لونا من التكذيب العملي...!
ونستفيد من هذه الآية:
- انما يؤدي الى كسب الانسان للعناية الالهية، هو الدعاء والتوجه بعبادة الله تعالى وان ما يستتبع الغضب الالهي هو المعصية، والتكذيب بآيات الله.
- ان ترك الدعاء والعبادة لون من التكذيب بآيات ونعم الله عزوجل.
وفي نهاية هذه الحلقة من البرنامج نشير الى اننا سنبدأ واعتباراً من الحلقة القادمة ان شاء الله بتفسير سورة الشعراء... فحتى نلتقيكم ثانية نستودعكم بحفظ الله ورعايته... والسلام خير ختام.